تقرير
قال الكاتب البريطاني كون كوغلين، في تقرير نشرته صحيفة «تلغراف» البريطانية، إن اتفاق الهدنة الجديد في شأن سورية، الذي وقّعه وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف، يمثّل هزيمة مذلّة للولايات المتحدة وبريطانيا، اللتين التزمتا في البداية بإسقاط بشار الأسد.
وأضاف الكاتب أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سبق أن وضع خطّاً أحمر أمام الأسد يقضي بضرورة عدم استخدامه الأسلحة الكيماوية، لكن أوباما لم يفعل شيئاً. وتابع: سرعان ما استعاد الأسد السيطرة، بعدما قرّر الرئيس الروسي فلادمير بوتين التدخل العسكري في سورية، لملء الفراغ الناجم عن تراخي الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة وبريطانيا.
ويقول الكاتب: إن اتفاق الهدنة الجديد في شأن سورية يعني فقط أن واشنطن وموسكو متفقتان على بقاء الأسد في السلطة.
وكانت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، قد قالت أيضاً إن اتفاق الهدنة الجديد في شأن سورية، الذي وقعه وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف، عزّز وضع الرئيس السوري بشار الأسد الذي كان آيلاً للسقوط قبل سنة واحدة، أي قبل التدخل العسكري الروسي. وأضافت الصحيفة أن الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبرما من قبل اتفاقات عدّة لوقف إطلاق النار في سورية، ولم يلتزما بأي منها، وكانت مكافأتهما الحصول على مزيد من الأراضي وتعزيز وضعهما الاستراتيجي، ولم ينالا من واشنطن عقاباً، بل مزيد من التنازلات والعروض لاتفاقات جديدة.
وتابعت: إذا أجريت مفاوضات سياسية جديدة في شأن مستقبل سورية في أي وقت، فإن الأسد وداعميه الروس والإيرانيين سيكونون في وضع أفضل من «المعارضة السورية»، بسبب اتفاقات وقف إطلاق النار المتتالية، والتي لا تخدم سوى النظام السوري. واستطردت: الهدنة الجديدة ضربة قوية لـ«المعارضة السورية»، لأن الولايات المتحدة وافقت على مطلب روسيّ لطالما طالب به بوتين، وهو أن تشارك واشنطن موسكو في استهداف جماعات «المعارضة»، التي يُقال إنها إرهابية.
وأشارت الصحيفة أيضاً إلى أن واشنطن عجزت في اتفاق الهدنة الجديد عن منع طيران الأسد من إسقاط البراميل المتفجرة وغاز الكلور على مناطق «المعارضة».
ووفي السياق ذاته، قالت صحيفة «تايمز» البريطانية، إن اتفاق الهدنة الجديد في شأن سورية، الذي وقعه وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف، لن يصمد طويلاً. وأضافت أن وقف إطلاق النار لن يطول الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرغبان في الانتصار أكثر مما يرغبان بالسلام. وتابعت: الأسد وإيران أيضاً لا يفكران أبداً في أن سورية سيكون لها مستقبل يختلف عما هي عليه الآن. واستطردت مدّعيةً: لماذا تلتزم «المعارضة السورية» بوقف إطلاق النار، بينما تتواصل انتهاكات الأسد، الذي يستغل أيّ هدنة جديدة لالتقاط الأنفاس وإعادة تنظيم صفوف قواته؟. من ناحيتها، قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية، إن اتفاق الهدنة الجديد في شأن سورية، يضع التزامات صعبة على «المعارضة السورية»، فيما لا يتضمن أي التزام واضح من موسكو بالضغط على بشار الأسد.
وأضافت الصحيفة أنّ «المعارضة السورية المعتدلة»، بموجب الاتفاق، مطالبة بالانفصال سياسياً وعسكرياً عن «جبهة فتح الشام»، تمهيداً لضربها من قبل أميركا وروسيا معاً بعد أسبوع من تنفيذ وقف إطلاق النار.
وتابعت: هذا الالتزام المفروض على «المعارضة»، أمر صعب نظراً إلى العلاقات التي ربطت بينها وبين «جبهة فتح الشام»، عندما تخلت أميركا عن دعم هذه «المعارضة» في معركة حلب.
ونقلت الصحيفة عن أحد مسؤولي «فتح الشام» قوله في تعليقه على اتفاق أميركا وروسيا على تنفيذ هجمات مشتركة للقضاء عليهم: «لدينا عدد كبير من المحاربين الاستشهاديين المستعدّين لحرق الأرض تحت أقدام تحالف الصليبيين».
وحذّرت «إندبندنت» من أن هذا التصريح يحمل تهديداً حقيقياً، وليس للتبجّح فقط، بحسب تعبيرها.
وكانت وكالة الأنباء الفرنسية قد قالت أيضاً إن اتفاق الهدنة الجديد في شأن سورية، ينصّ على قيام واشنطن وموسكو بتوجيه ضربات جوية مشتركة لكل من «جبهة فتح الشام» جبهة النصرة سابقاً ، و«داعش». وأضافت أن الاتفاق يطلب أيضاً من فصائل «المعارضة» النأي بنفسها كلّياً عن «جبهة فتح الشام».
وتابعت: الاتفاق ينصّ أيضاً على أن تمارس موسكو ضغوطاً على الجيش السوري للالتزام بوقف القتال، فيما ستضغط واشنطن على أطراف «المعارضة».
وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف قد أعلنا في جنيف فجر السبت الموافق 10 أيلول عن خطة جديدة للهدنة في سورية، تنص على وقف كل الأطراف العمليات القتالية اعتباراً من مساء الاثنين 12 أيلول، وإتاحة وصول المساعدات إلى كل المناطق المحاصرة التي يصعب الوصول إليها بما في ذلك حلب، وانسحاب قوات كل الأطراف من طريق الكاستيلو في حلب.
وبحسب الاتفاق، فإنه بعد سبعة أيام من بدء وقف العمليات القتالية، ستنشئ روسيا والولايات المتحدة مركزاً مشتركاً لمحاربة «داعش» و«جبهة فتح الشام». وطالب مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى سورية مايكل راتني فصائل «المعارضة» بالالتزام بالهدنة التي ينصّ عليها الاتفاق الروسي الأميركي، في حين أعلنت دمشق موافقتها على الاتفاق، ورحبت به إيران أيضاً، وقال الناطق بِاسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي إن نجاح الهدنة مرتبط بإنشاء آلية مراقبة شاملة، وخصوصاً مراقبة الحدود لوقف وصول إرهابيين جدد، وكذلك أسلحة وموارد مالية إليهم، بحسب تعبيره.
ونقلت وسائل إعلامية تعتبر منبراً للجماعات الإرهابية، عن مصادر في «المعارضة» قولها إن الفصائل المسلّحة قبلت باتفاق الهدنة الأميركي الروسي وسترسل ملاحظاتها عليه. وصرّح زكريا ملاحفجي رئيس المكتب السياسي في «تجمع فاستقم»، وهو أحد فصائل «المعارضة المسلحة»، بأن «المعارضة» سترسل إلى الجانب الأميركي ملاحظاتها على بعض بنود الاتفاق، ومن أبرزها ما يتعلق بآلية ضمان التزام النظام بوقف إطلاق النار وآلية محاسبته في حال حصول اختراقات.
وأكد ملاحفجي أن «المعارضة» لا تزال تدرس بنود الاتفاق في نواحيه السياسية، لكن في ما يتعلق بوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات فلا شك في أنّ «المعارضة» تقف مع كلّ ما يضمن حماية المدنيين. وأضاف أن هناك ملاحظات أخرى في شأن «جبهة فتح الشام» وإغفال الميليشيات الموالية للأسد، مؤكداً أن «المعارضة» «التزمت بكل الهدنات التي تم الاتفاق عليها من قبل، ولكن الجيش السوري هو من كان يخرقها».
وفي 17 أيلول، أعربت مستشارة الهيئة العليا في وفد «المعارضة» في مفاوضات جنيف مرح البقاعي عن مخاوفها من تقسيم البلاد ضمن الاتفاق الروسي ـ الأميركي الأخير، في ظلّ خلاف الطرفين على إعلان تفاصيله. وقالت البقاعي إن هناك تفاصيل للاتفاق لا تريد وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون أن تخرج إلى التداول، معربة عن استغرابها من عدم وصول تفاصيل الاتفاق إلى هيئة المفاوضات المعنية بالحل السياسي في البلاد. ولدى تعليقها على التصريحات الأميركية بأن التكتم على تفاصيل الاتفاق يخدم الأمن العملياتي.
وادّعت البقاعي أنّ الأمر أبعد من ذلك بكثير، فهو اتفاق أميركي روسي يخدم البلدين فقط. وحول الإصرار الروسي على كشف التفاصيل مقابل الرفض الأميركي لذلك، قالت إن ذلك مجرد مناورة بين موسكو وواشنطن بحيث يرمي كل طرف الكرة بملعب الآخر. ورجحت البقاعي أن يكون الاتفاق قد جاء ضمن صفقة التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية، وأعربت عن خشيتها أن يفضي هذا الاتفاق إلى تقسيم البلاد، و«هو ما ترفضه المعارضة التي تسعى لتكون دولة مدنية موحدة».
وكان من المقرّر أن يُطلِع سفيرا روسيا والولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين وسامانثا باور مجلس الأمن الدولي في 16 أيلول على تفاصيل الاتفاق الذي تنصّ بعض بنوده على وقف النار، وإيصال المساعدات، وشن ضربات مشتركة ضدّ المقاتلين الإسلاميين في سورية، ولكن ذلك ألغي في اللحظات الأخيرة. وقالت البعثة الأميركية في الأمم المتحدة إنها لم تستطع الاتفاق مع روسيا على طريقة لإطلاع مجلس الأمن على تفاصيل الاتفاق، بحسب زعمها. وقال يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي إن موسكو لن تنشر تفاصيل الاتفاق مع واشنطن في شأن سورية من طرف واحد، مشيراً إلى أن الأميركيين طلبوا الإبقاء على بعض بنود الاتفاق في إطار السرّية.