ما بعد الأخوين بلبول والقاضي
راسم عبيدات
لنكن واضحين مع أنفسنا، إنّ عمليات إسناد ودعم الأسرى المضربين عن الطعام، هي دون المستوى، على كل الصعد والمستويات. والحالة السياسة الهابطة التي نعيشها، من إنقسام يلقي بظلاله على كل مناحي حياتنا وقضيتنا والأسرى جزء منها، حيث الحركة الأسيرة منقسمة، لم تتضامن مع ذاتها، فقدت قرارها الموحد واداتها التنظيمية الوطنية الموحدة وقرارها الإعتقالي الموحد. هذا جعل ويجعل المعارك الإعتقالية، التي تخاض من قبل الأسرى، أفراداً وفصائل، أصعب وأكثر خطورة وأطول مدداً زمنيةً، من الإضرابات الموحدة: الإضرابات المفتوحة عن الطعام، معارك الأمعاء الخاوية.
نعم، يجب علينا التوقف، بشكل جاد ومسؤول، أمام الإضرابات الفردية والفصائلية، التي ندرك، تماماً، أن من يقدم عليها من الأسرى، يكون قد استنفذ كل الوسائل والأساليب من أجل تحقيق مطالبه. لكن هذا الشكل من الإضرابات، الذي يأتي بشكل مفاجئ وبقرار ميداني من الشخص، أو الجهة التي ستقوم به، يتأخر التعطي معه من قبل الجماهير، على مستوى الدعم والإسناد، أو التحشييد والتعبئة، أو تنظيم الأنشطة والفعاليات. ناهيك عن التباينات والتعارضات في المواقف منها. وأصبح العامل الحاسم في تحقيق النصر، أو الإنجاز، فيها، راجع، بالدرجة الأولى، إلى الأسير، أو الفصيل الذي قام بالإضراب المفتوح عن الطعام. وإلى محيطه الأسري والعائلي وأبناء الفصيل. يضاف إلى ذلك، الحاضنة الشعبية، من مجموعات شبابية وفعاليات شعبية ومؤسساتية للجان ومؤسسات وأندية ولجان أسرى. ومشاركة غير فاعلة، أو ليست بالزخم المطلوب، من قبل القوى والفصائل. في حين يتأرجح موقف السلطة بخجل، بين اللعم. وتبقى تحركات السلطة في الإطار العام والدبلوماسي والسياسي. وعادة ما يكون تحركها نتاج للتحركات الجماهيرية والشعبية، التي تمارس ضغوطاً كبيرة عليها للتدخل، خصوصا أن سقوط أي أسير من المضربين عن الطعام، شهيداً، يعني أنها ستصبح في دائرة الإتهام. والسلطة، أصلاً، لم تول هذا الملف الإهتمام الكافي وهي متهمة بالتقصير والتخلي عن الأسرى.
من دون مزايدة أو «ثورية» زائدة: الإضرابات بهذه الطريقة أصبحت تربك الجماهير، التي تجد نفسها، بحسها الوطني والعفوي، في معمان معارك الدفاع والمشاركة في إسناد ودعم هؤلاء الأسرى، لكن من دون عملية تحشييد وهيئة ذات طابع ميداني، تشرف على تلك الأنشطة والعفاليات وتقودها، فإن حركة التضامن والمشاركة تكون ضعيفة. والإستجابة ليست كما يجب. سابقاً، كانت تخصص، لهذا النوع من الإضرابات، لجان عليا ولجان محلية في كل محافظة، أو حتى قرية. مع برنامج نضالي وطني يجري على أساسه السير في النشاطات والفعاليات الشعبية والجماهيرية، من تظاهرات ومسيرات وإعتصامات وحتى إضرابات مفتوحة عن الطعام، في الصليب الأحمر. وترافق ذلك كله، عمليات تعبئة وتحريض من قبل الفصائل لعناصرها ومحيطها الإجتماعي والحزبي، لأوسع مشاركة جماهيرية، في إسناد الحركة الأسيرة. فتصبح كل ساحات الوطن وحتى خارج حدوده، شعلة نشاط ونضال لنصرة قضية هؤلاء الأسرى.
اليوم، علينا ان نعترف بأن أوضاع الحركة الأسيرة ليست كما كانت عليه قبل «أوسلو». بعد «أوسلو» ضرب الكثير من المفاهيم والتقاليد والقوانين والضوابط الإعتقالية والحزبية التنظيمية. وتعطل الكثير من اللجان والمؤسسات الإعتقالية. حتى الأوضاع الداخلية للتنظيمات، أصبحت غير منتظمة ولا يتم إيلاء الحلقة الثقافية أدنى إهتمام. في ظل مرحلة «أوسلو» الكثير من الأسرى، بدلا من أن يُدخلوا كتبا ثقافية إلى المعتقلات، أصبحوا يخرجونها مع الأهل، على اعتبار أن «أبراشهم» أسرتهم على الأبواب. ولم تعد مكتبة سجن عسقلان، كبرى المكتبات الإعتقالية، تضم سوى رفوف مهلهلة وكتب ذات مضامين دينية وتفسيرات قرآنية وسيرة نبوية وغيرها.
بفعل «أوسلو» تلقت الحركة الأسيرة ضربة قوية، أعادتها سنوات إلى الوراء. وبفعل الإنقسام، كانت الضربة قاصمة جداً، إنشطرت وإنقسمت فيها الحركة الأسيرة ولم يعد هناك أي شكل من أشكال الوحدة، في الموقف والقيادة والمطلب. بل غدى تحريض أطراف الحركة الأسيرة وبالذات طرفي الإنقسام فتح وحماس ، ضد بعضها، يفوق التحريض على إدارة السجون وأجهزتها الأمنية، التي تستهدفها كمجموع. ولتصل الأمور لإحلال العلاقات البلدية والجهوية والشللية، بين أفراد التنظيم الواحد في السكن والمواقف، بدل العلاقات التنظيمية والحزبية. وأكثر من مرة، لم يستجب أسرى لتعليمات وأوامر قياداتهم، بشأن التركيبة السكنية وحتى بالقرارات التنظيمية.
هناك ملفات عليها إجماع من كل مركبات ومكونات الحركة الأسيرة، قضية الإعتقال الإدراي، هي قضية مخالفة لكل الأعراف والمواثيق والقوانين والإتفاقيات الدولية، تستند إلى أنظمة وقوانين الطوارئ الإنتدابية. وبالتالي، هذا الملف، ملف الإعتقال الإداري، لا أرى بأن المعركة حوله من أجل قبره وإسقاطه، يجب أن تتم من خلال الإضرابات الفردية أو الجزئية، بل يجب أن تكون المعركة حوله، معركة كل الأسرى الإداريين. وأعتقد بأن المعركة هنا، ستكون مدعومة حتى من قبل المؤسسات الحقوقية والإنسانية والدولية، التي لا تعترف بشرعية الإعتقال الإداري، بدلاً من أن يخوض أسير إداري، منفرداً، كل فترة المعركة حول مدة اعتقاله الإداري واستمرار احتجازه واعتقاله، تحت طائلة هذا القانون اللاأخلاقي واللاإنساني. فما المانع بأن تكون المعركة جماعية حول هذا الملف من أجل إغلاقه؟ ليست معركة الحركة الأسيرة وحدها، بل هي معركة شعب بأكمله، باحزابه وفصائله ومؤسساته الحقوقية والإنسانة والمجتمعية وسلطته وكل ألوان طيفه المجتمعي والوطني. هنا، أعتقد بأن حجم الإنجاز المتحقق، سيكون أعم وأشمل، بحيث يسقط مشروع شكل من أشكال الإعتقال بأكمله، بدلاً من أن، كل مرة وخلال فترات متباعدة، يدخل أسير، أو أكثر، في معركة نضالية منفرداً، متسلحاً بإرادته فقط وبدعم محدود من حركة أسيرة، دخلت في مرحلة الأزمة والإنقسام. وكذلك، جماهير لديها الكثير من الهموم المثقلة بها، بسبب الحرب الشاملة التي يشنها عليها المحتل، في وضع تترهل فيه الفصائل، مما يجعلها غير قادرة على الحشد الشعبي والجماهيري وإسناد المعركة الإعتقالية كما يجب. فهذه معركة، بشموليتها، يتوحد فيها الجميع ويتمركز أكبر حشد شعبي وجماهيري ووطني وسياسي، خلف قضية مجمع عليها، ليس فلسطينيا، بل حقوقيا وإنسانياً ودولياً وطرحها على المحافل والمحاكم الدولية يقود إلى النصر فيها.
Quds.45 gmail.com