تركيا و«داعش»
عامر نعيم الياس
احتلّ ملفّ «داعش» والحرب عليه وتمدّده في العراق وسورية، اهتمامات الصحافة الغربية مجتمعةً، حتى صار «داعش» العدو الجديد للأمن والسلم الدوليين ولشعوب الأرض قاطبةً. هكذا أراد الغرب وواشنطن، ولهم ما أرادوا كما جرت العادة. عدنا إلى الحرب على الإرهاب، والقرار بشكل التحالف الدولي سيتّخذ خلال قمة حلف الأطلسي المقرّرة الأسبوع المقبل. فما بعد القرار 2170 ليس كما قبله، والنصّ كان واضحاً في ما يخصّ تمويل «داعش» و«النصرة» وتمرير المقاتلين إلى سورية والعراق. رئيس الحكومة البريطانية رفع الصوت عالياً من خطر الإرهاب الذي يمثّله «داعش» على أمن المملكة المتحدة وحلف الأطلسي. الملك السعودي وضع جدولاً زمنياً لوصول «داعش» إلى الولايات المتحدة وأوروبا. وحده التركي أردوغان الذي وصل إلى قصر «قانقايا» بقي صامتاً، فما السبب الذي يقف وراء هذا الصمت؟ ولماذا لا يضغط الغرب بشكل جدّي حتى الآن على أنقرة؟ هل يندرج ما يجري بحق «داعش» في سياق عملية توزيع الأدوار؟ أم أنّ الأمر يتعدّى ذلك إلى اللعب ما أمكن على وتر التردّد الأميركي والازدواجية المتّبعة حتى اللحظة في قيادة الحرب الجديدة على الإرهاب؟
في ظلّ الجدل الذي تشهده دوائر صنع القرار الغربي الأطلسي حول الحرب على «داعش» وشكل التحالف الدولي الإقليمي على هذا التنظيم «السرطاني» حسب توصيف الرئيس الأميركي باراك أوباما، يبرز معياران رئيسان لنجاح هذا التحالف وفعاليته: الأول، ملفّ التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد. والثاني ملفّ الحدود التركية وتهريب المقاتلين من أوروبا والغرب إلى سورية، وبالعكس، عند هذا الملف يتضح تحرك الصحافة البريطانية أكثر من الأميركية للمطالبة «بوقف تدفق الجهاديين من تركيا» بحسب «غارديان» البريطانية، وهو ما أكد عليه رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون في الإجراءات التشريعية الجديدة التي عرضها أمام البرلمان البريطاني والتي تشمل، بحسب تسريبات «لوموند» الفرنسية، التعاون مع ألمانيا وتركيا في ضبط تدفق المقاتلين البريطانيين إلى سورية. لكن هل يكفي هذا الأمر؟ ألا يتوجّب التوجّه إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار جديد حول تمرير المقاتلين الأجانب إلى سورية والعراق؟ لماذا هذا الصمت التركي؟
في الشكل يتحجّج الحزب الإسلامي الحاكم في تركيا باحتلال «داعش» القنصلية التركية في الموصل وأخذ مئة تركي بينهم 49 دبلوماسياً مع عائلاتهم رهائن، لذلك لا تريد الحكومة التركية التشويش على المفاوضات الخاصة بضمان حياة مواطنيها. لكن الشكل الجديد القديم للحكم التركي، واستمرار التوتر في العراق وسورية، والتعاون مع ما يسمى كردستان العراق، أمور تعكس استمرار السياسة التركية على حالها بعد القرار 2170 والتدخل العسكري الأميركي في العراق. فبالنسبة إلى شكل الحكم التركي الجديد، نحن في مواجهة أردوغان بتوجّه لصلاحيات معزّزة في القصر الجمهوري، وأحمد داود أوغلو رئيساً للحكومة التركية وعلى رأس حزب العدالة والتنمية، وتسريبات تقول باحتمالية استلام حاقان فيدان مدير الاستخبارات التركية حقيبة الخارجية التي كان يشغلها أوغلو. أقطاب السياسة التركية في سورية والعراق يعيدون تدوير المناصب في ما بينهم فأين التغيير المرجوّ؟
أما في ما يخصّ السياسات، فتستمر أنقرة بالتعاون مع أربيل في مسألة النفط العراقي ضاربةً عرض الحائط هيبة الدولة العراقية. فالصراع ليس مع المالكي بل مع نهج الحكومة العراقية. فبعد تعيين العبادي لم يتغيّر شيء في سياسة أردوغان العراقية. الهدف تفتيت العراق بين «داعش» والبارازاني. أما في سورية فتستمر الدولة الإسلامية بالاندفاعة في المناطق الحدودية بين سورية وتركيا، خصوصاً في محافظة الرقة، كما يستمر التركيّ بحسب غالبية التقارير الأوروبية بالصمت حيال مسألة التعاون في ضبط الحدود مع سورية وتمرير المقاتلين الأجانب.
إنّ الصمت التركي بحقّ كلّ هذا الحراك الدولي والإقليمي الذي يستهدف «داعش»، هو بحدّ ذاته دعمٌ واضحٌ لخطوات هذا التنظيم. لكن على رغم حديث بعض المراقبين عن خصوصية الحالة التركية واضطرار تركيا للرهان على الفوضى بعد خسارتها في سورية ومصر، إلّا أنّ كلمة السرّ تبقى بيد الأطلسي والإدارة الأميركية التي يبدو أنها لم تقرّر حتى الآن ما الهدف من وراء التحالف الدولي لمواجهة «داعش». هل سيكون التحالف دفاعياً للحدّ من قدرات هذا التنظيم وتأطير رقعة انتشاره الجغرافي؟ أم أنّ الهدف يتمثل بالقضاء عليه نهائياً؟
كاتب سوري