في المقاومة الثقافية

إن شريحة واسعة من أمتنا هذه الأيام تعاني من هشاشة الانتماء، خصوصاً الانتماء الوطني القومي، متزامنة مع هشاشة الانتماء إلى مفهوم «مكارم الأخلاق» بحسب الاتجاه الديني الصحيح، فنجم عن ذلك جنوح كثيرين إلى مهاوي الغربة في الوطن، وحتى إلى مصائد الإغراءات التي أدّت إلى غياهب التنظيمات الإرهابية.

ذلك جعلنا نفكّر بتحليل دقيق للواقع الراهن وحتى أن نفكر بمقاومة ثقافية أكثر عمقاً وشمولاً، تتناول مقاومة أشكال الغزو الثقافي المبرمج.

ولكن كيف استطاع هذا الغزو أن يمتدّ لولا اعتماده على تهميش المؤسّسات الثقافية وأهل الثقافة؟ وولولا اعتماده على الاستلاب الكبير للهوية؟ ولولا انجراف كثيرين من مناطق الضادّ بشعارات غربية لم تسلم منها المسلسلات الهابطة ومنها مسلسلات الأطفال، ما يزرع في عقولهم أن العدوّ وهميّ وليس حقيقياً؟ ولولا أنهم زرعوا في عقول المستلبين مفهوم النافذة التي أصبحت أكبر من البيت، أو مفهوم الرأي ا خر لدرجة أنّ المواطن ينسحب من مقاومة الرأي الهدام.

إنهم يتسلّلون عبر إغراءات وعملاء ومنجرفين في مؤسساتنا الثقافية سواء

الكبرى أو الصغرى. إنهم ـ عبر الاستلاب الكبير ـ يضخّمون المرتبط أو حتى المنجرف إليهم، في حين أنّهم يهمّشون حتى الإعلام إلى درجة التعتيم والاقصاء. إنهم إذ يشجّعون ما يدعم تياراتهم الغازية، فهم يحتجبون عن مجتمعاتهم إلا بحذر شديد، ومن ذلك برامج ومسلسلات الأطفال التي نوّهنا عنها.

والأخطر من ذلك كله، عبورهم إلينا من خلال منظّمات بأسماء براقة، مثل «حقوق الإنسان» أو «حرّيات بلا حدود» أو حتى بِاسم مجتمع مدني «ملغوم»، وما إلى ذلك من مؤسّسات أخذت صيغة اللاحدود العالمية، ما جعلنا نفكر كثيراً في هذه العولمة الغربية التي لا تزال تنصب في طريق الشعوب مختلف الفِخاخ لتدمير هذه الشعوب.

ثم استطاعوا أن يستلبوا حتى أولئك الذين يدّعون «الرمادية» بِاسم الحياة، وهم في الحقيقة ليسوا أكثر من قنابل موقوتة قد تنفجر حتى بِاسم الحرّية والديمقراطية ضدّ الحرّية والديمقراطية.

سحر أحمد علي الحارة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى