مصدر عربي: التجاذب على «المكاسب» ولا «انقلاب» على التفاهم الأميركي – الروسي
روزانا رمَّال
يؤكد مصدر سياسي عربي مطلع لـ «البناء» انّ ما يجري بين الولايات المتحدة وروسيا بما يبدو عليه أنه إعلان نهاية الطريق امام الحلّ السلمي في سورية، ليس الا ذيول تلك الحرب الكبرى والطاحنة التي اسست لها خمس سنوات من حروب الدول الكبرى على ارضها، وقال: «انّ المفاوضات التي كلفت وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حوالي ستة اشهر من الجهود ليست مفاوضات عبثية ولا حراك سياسي عادي للخارجيتين الاكثر تأثيراً في المنطقة، وهذا الاتفاق لم يصدر كي يتمّ التخلي عنه وهو الامر غير الوارد».
يتابع المصدر: «ما يجري من تجاذبات اليوم لا يتعلق بمبدأ الاتفاق على وجوب ايجاد حلّ سياسي مشترك في سورية بإشراف أميركي روسي، إنما يتعلق بالمكاسب التي سيفضي اليها الاتفاق، نحن في قلب تجاذب حارّ عنوانه التفاهم حول «تفاصيل» التفاهم الروسي- الأميركي ومكاسبه وليس «الانقلاب» عليه، وهو ما يتطلب غالباً مفاوضات على وقع الأحداث الساخنة. مخطئ من يظن انّ الاتفاق على تفاصيل الحلّ السياسي في سورية لن يتطلب تصعيداً من هذا النوع كالذي يجري في حلب اليوم، والعين الدولية أصبحت على شكل الحكم السياسي في سورية مستقبلاً وعلى الحكومة والتمثيل فيها وهي كلها أمور أبعد من الاتفاق.
ويختم المصدر: «سيكتب لهذا الاتفاق النجاح فلا سبيل غيره، وأعتقد أنّ الكلّ اقتنع بذلك، حتى ولو بدا أنّ التجاذب قادر على أخذ الأوضاع نحو حافة الهاوية».
الأجواء السياسية والميدانية المتوترة أفرزها ضرب مقرّرات الهدنة الأميركية الروسية بعد ايام من الاعلان، لكن الاهم في هذا الاطار قد لا يكون نتيجتها بالقدر الذي شكله الترحيب فيها عشية الاعلان عنها حدثاً بحد ذاته، فقد حصد الاتفاق بين الدولتين العظميين ترحيباً دولياً وإقليمياً وأممياً شاملاً. ويلفت بهذا الاطار الترحيب السعودي حينها حيث عبّرت الخارجية عن استعدادها لتوفير ما يلزم من اجل إنجاحه. وهو الامر الذي يشكل نقلة نوعية بالموقف السعودي الذي لطالما اتهم روسيا بمساندتها لنظام الرئيس الاسد ولعب دوراً شديد الخطورة وسيّئاً حسب التعبير السعودي، خصوصاً مع الامتعاض الشامل من الخطوة الروسية والدخول العسكري المباشر في الحرب السورية في ايلول من العام الماضي.
التغيّر بالموقف السعودي والترحيب بالشراكة الأميركية والروسية والحث الفرنسي الاوروبي في نيويورك على اعادة إحياء الهدنة واعتبار باريس انه الطريق «الاساسي» للحلّ، يعني نجاح الخطوة الاولى بالاستحصال على تأييد دولي شامل للشراكة الروسية الأميركية في سورية وان الانتقادات التي كانت موجودة في مرحلة مسبقة تتعلق بضرورة عدم السماح لأي نوع من التهاون بموضوع الشراكة مع حلفاء النظام السوري والإبقاء على ما يكرس الأسد رئيساً بالمرحلة المقبلة، ما يعني انّ لهذا الترحيب تكلفة بات اللاعبون مقتنعين بأنه سيتمّ دفعها، فروسيا لم تمدّ يدها للشراكة مع أميركا بشروط التخلي عن الأسد لا بل اكدت موسكو في اكثر من مناسبة اعتبار النظام السوري خط احمر، لا بل كان جلّ التدخل العسكري المباشر إبعاد الخطر عن العاصمة السورية دمشق. فالامر بالنسبة لروسيا مسألة تتعلق بحماية أمنها الخاص وهو اساس الحضور بالازمة السورية دون استسلام، وعلى هذا الاساس اول انجازات الاتفاق الروسي الأميركي الواضحة هو تخطي مسألة عناد حلفاء الطرفين.
يتحدث بعض الموالين للنظام في سورية والمناصرين لحزب الله وايران في لبنان والعراق وسورية عن قلق من أي محاولة أميركية بخداع موسكو، ما يسمح بتعزيز السلاح وتتاميه لجبهة النصرة على وجه الخصوص في حلب ما يعني زخماً اكبر بعد الهدنة، وهو الأمر الذي جاء بشكل عكسي تماماً، فالهجوم الاقوى اليوم يأتي على يد الجيش السوري وحلفائه برعاية روسية تامة، اي انه ليس وارداً عند روسيا التساهل مجدّداً بما قد تتركه الهدنة من ثغرات، كما جرت الامور في مرحلة سابقة. وهنا كان الاعلان الروسي رسالة هامة لواشنطن عن الاستعداد الكامل لضخ كل ما تتطلبه معارك حلب لسحق الجماعات التكفيرية.
من الجهة الأميركية ايضاً كانت هناك محاولات ولا تزال على فكرة الهدنة التي فرضتها العلاقة الأميركية الروسية المشتركة والتي تعتبر بحدّ ذاتها تنازلاً أميركياً واعترافاً بدور كبير لروسيا في سورية، ما يعني تعويم حلفائها مستقبلاً مثل إيران وحلفاء حلفائها مثل حزب الله.
اخبار المساء الواردة من نيويورك تحدثت عن تقدم «محدود» في الملف السوري، حسبما جاء على لسان كيري بعد لقائه لافروف، ايّ انّ المساعي لإعادة التهدئة امر اساسي بالساعات المقبلة والتصعيد الجاري في حلب من قبل الجيش السوري هو رسالة حاسمة تؤكد لواشنطن ان اعادة العمل بالاتفاق هي مكسب أميركي، والا فانّ آلة الدفاع السورية لن توفر جهداً في سحق كلّ حلفاء أميركا على الأرض.
بكلام آخر «بالاتفاق او بدونه لا رجوع عن التقدم الميداني والحسم العسكري، فهل من مشاركة بهذا الإطار قبل استفراد روسيا وحلفائها فيه فتتلاشى المكاسب وتذهب أدارج الرياح؟».