نظرة داخل مدرسة اللاجئين المذهلة في جزيرة «خيوس» اليونانية
خديجة الخولي
رصد تقرير أعدّه الصحافي روبرت ترافورد لصحيفة «إندبندنت» البريطانية تجربة مذهلة لمدرسة أهلية على جزيرة «خيوس» اليونانية، تُعلّم أطفال اللاجئين دروساً في الحياة، بعدما أضاعت عليهم الهجرة ما متوسّطه 18 شهراً دراسياً. إضافة إلى أن من بين الأطفال ما نسبته 1 إلى 5، لم يكن قد مرّ بأيّ مدرسة من قبل ما دفع منظمة سويسرية للمبادرة إلى حلّ المشكلة، وسدّ هذه الفجوة.
فبحسب التقرير، تؤوي جزيرة «خيوس» وفقاً لإحصاء أعدّته منظمة حماية الطفولة «Save The Children»، أكثر من 700 طفل تحت عمر ثماني سنوات، فضلاً عمَّا يقارب 400 طفل تتراوح أعمارهم بين 8 و17 سنة. قَدِمَ عدد منهم إلى «خيوس» منذ آذار. ورغم أن أحداً لا يعرف إلى متى ستستمرّ إقامتهم على الجزيرة، إلا أن منظمة «كن واعياً وشارك BAAS»، وهي منظمة سويسرية غير حكومية صغيرة، بادرت إلى فتح مدرسة لهم، تختلف عن كل مدارس اليونان.
ففي صباح كلّ يوم، يخرج الأطفال في طابور، جنباً إلى جنب، مشبّكين أياديهم لعبور حدائق البلدية. بالتواء الطابور خلال الشوارع الضيقة في شمال الميدان، يخرج أصحاب المحلات، حيث يمرّ الأطفال يتبادلون التحيات، ويتمنّون لبعضهم نهاراً سعيداً. هذه التحيات الصباحية تعدّ أولى تجاربهم لنطق لغة جديدة، لغة وطن جديد.
يصف نيكولاس ميلت، أحد أعضاء الفريق، ومن مؤسّسي المشروع، تمشيتهم الصباحية بأنها أكثر تفاعل ودّي يحظى به الأطفال مع أهل المدينة، ويضيف أنه تواصل مدهش بالنسبة إليهم، ونوع من توطيد العلاقات.
بدأ المشروع في نهاية أيار باستقبال أربعين طفلاً خلال الأسبوع الأول، وبنهاية الأسبوع الثاني كانوا قد استقبلوا مئة وعشرين طفلاً. يحضر كل تلميذ درسين في اليوم الواحد، إضافة إلى المشاركة في مشروع جماعي، والذي يمكن أن يكون أيّ شيء، من الفنّ إلى الزراعة، أو حتى غسل الأسنان.
يقرّ منظّمو المشروع أن عملهم ليس بديلاً عن التعليم الرسمي إذ تنقل عنهم «إندبندنت» قولهم: نحن لا نسعى إلى تحويل مشروعنا إلى مدرسة فقط نحاول توفير أنشطة منظمة للأطفال ليدركوا كيف يبدو الأمر حين يلتحقون بمدرسة. ومع ذلك فإن الأثر الإيجابي الذي يتركه المشروع مثير للدهشة. فإذا مررت بأحد الفصول ستجد الأطفال بين عمر 6 و10 سنوات مهذّبين ومتحمّسين للحصص الصباحية التي يُدرّسها أربعة معلّمين سوريون، كانوا يُدرّسون في المرحلة الابتدائية في بلادهم.
وكما يذكر ميلت في التقرير: الأطفال متفاعلون، وقد انخرطوا في النشاط. يُظهِرون تقدّماً واضحاً في اللغة الإنكليزية، والجانب السلوكي، ويتحسّنون بمعدّلات متسارعة. يصطفّون كلّ صباح بنشاط وحيوية وينتظروننا حتى قبل أن نصل. وإذا تجوّلت في المخيم لاحقاً ستراهم يقومون بأداء واجباتهم. ولا شك في أن شعبية المدرسة تزداد وتتّسع كل يوم.
كانت أشهر صعبة على «خيوس»، تلك المدينة الصغيرة التي لا تعدو أن تكون وجهة سياحية في الحدود الشرقية الجنوبية للاتحاد الأوروبي، فبعد سنة ونصف السنة، كان قد مرّ عبر الجزيرة أكثر من 150 ألف لاجئ قاصدين اليابسة، بينهم ثلاثة آلاف ما زالوا غير قادرين على مغادرة الجزيرة منذ اتفاق آذار بين تركيا والاتحاد الأوروبي. تسبّب ذلك في تصاعد التوترات أحياناً بين اللاجئين بسبب عجزهم عن السفر أو العمل، وعيشهم في أجواء حارّة مزدحمة، لذلك يرى المتطوّعون ومسؤولو الحكومة أن المشروع كان كصمام الأمان بالنسبة إلى المخيم.
يذكر التقرير أن ليتزا آرسينبولو، رئيس قسم الهجرة والإدماج الاجتماعي، والتي تعمل كحلقة وصل بين المنظّمات غير الحكومية في «خيوس» والسلطات اليونانية، تحدّثت إلى «إندبندنت» بصفة شخصية، وأوضحت أنّ حياة اللاجئين تطوّرت بكل تأكيد بسبب المشروع، فالأطفال كانوا بحاجة ليشاركوا في أنشطة مختلفة.
وأضافت: بعض الأطفال لم يمرّوا بتجربة المدرسة من قبل، لذلك فمن الجيد أن يعرفوا كيف تبدو المدرسة.
يوافقها الرأي ميلت، إذ يقول: كان أمراً مبهجاً للآباء والأمهات، إذ ظلّ كثيرون منهم يتابعون لأشهر كيف يقضي أطفالهم الوقت لا يفعلون شيئاً. وبالنسبة إلى عدد من تلك الأسَر، فإن الأطفال كانوا السبب الرئيس الذي تركوا لأجله وطنهم. فربما تسرّب لبعضهم شعور أنه قد فشل في الوفاء بمسؤوليته تجاه أبنائه.
يرصد التقرير أيضاً كيف توسّع المشروع خلال الشهر الأخير ليقدّم دروساً للقطاع الثالث من اللاجئين القاطنين في منشآت مسجلة ومُسَوّرة داخل المدينة، فضلاً عن مركز شباب للمراهقين والشباب.
يتولّى الإشراف على مركز الشباب، باستين سيلهوفر، وهو عضو آخر من مؤسّسي المشروع، وناشط اجتماعي سابق في مدينة برن في سويسرا. تحدّث إلى «إندبندنت» قائلاً: أريد أن أجعل من مركز الشباب بيتاً لهم. أريده مساحة يستطيعون القدوم إليها والتحدّث فيها حول أوضاعهم ومشكلاتهم، من دون القلق من ضغوط المسؤولين الرسميين أو أولياء أمورهم. ربما يرحلون عن الجزيرة خلال شهرين أو ثلاثة، لذا نريد أن نستغلّ هذا الوقت في مساعدتهم للتطوّر والتعرّف إلى العالم، عبر إطلاعهم على ثقافاته المختلفة وأديانه المتعدّدة. أما الصعوبة الحقيقية فتكمن في المراهقين بين 16 و18 سنة، فهناك عدد من المشاغبين في هذه المرحلة العمرية، وقد طوّروا ما يشبه العصابة مع شباب آخرين، وقد اتُّهمَ عناصر المافيا الصغيرة تلك بحريق اندلع بالمخيم في حزيران، والذي تسبّب بإتلاف قاعة نوم جماعية. لذلك تشعر العائلات وأيضاً المعلّمون بالخوف منهم لأنهم ما زالوا يعيشون في المخيم.
ويشير سيلهوفر، بحسب التقرير، إلى أن مستوى تأمين المخيّم لم يرتفع أبداً، رغم تلك الحادثة، ويعبّر عن قلقه إزاء ذلك الأمر: أريد أن أحمي أطفالي والمتطوّعين والمدرسة، بهذا لا نستطيع أن نبدأ معهم في الدروس المعتادة، ولذلك السبب أردت تأسيس مركز الشباب.
بعد أسبوعين، التحق 75 مراهقاً وشاباً بمركز الشباب، يحضرون مرتين أسبوعياً لتلقي دروس من بينها ورش عن الطبخ الجماعي، حيث يذهب الفتيان والمتطوّعون إلى الأسواق معاً، ويطبخون معاً، ويأكلون معاً.
وتذكر «إندبندنت» تعليقاً لميلت يقول فيه: إنه أمر رائع كجانب من مظاهر الحياة الاعتيادية بالنسبة إليهم، وفرصة لكي يُظهروا مهاراتهم أيضاً، فبعضهم يتصرّفون كما لو أنهم طهاة محترفون. ويذكر ميلت موقفاً مع فتى عراقيّ أثناء غسل الصحون: التفت إليّ الفتى وقال: اعتدت القيام بهذا العمل مع والدتي.
ويأمل المنظّمون أن توفّر مظاهر الحياة الاعتيادية بديلاً للمراهقين الذين هم عرضة لخطر التحوّل إلى الجريمة. فقد بات لديهم شيء يفعلونه الآن، وبعضهم حظيوا بأيام مليئة بالأنشطة.
بحسب التقرير، فإن الإقرار بأهمية المشروع لا يقتصر على مؤسّسيه فقط إذ علّق أحد نواب عمدة الجزيرة على المدرسة قائلاً: إنها الأمر الأكثر إيجابية في ما حدث على هذه الجزيرة منذ أشهر. كذلك أثارت المدرسة إعجاب وفد زارها من اللجنة الأوروبية. فقد ذكر سيلهوفر لـ«إندبندنت» أن مارغريت تويت، منسّقة اللجنة الأوروبية لحقوق الأطفال، كانت مصدومة حينما رأت الجميع يتشاركون مكان النوم نفسه في المخيم، وقالت له: كانت المدرسة كواحة في الصحراء، لقد كانت الأمر الإيجابي الوحيد الذي رأيته طوال اليوم.
في حزيران، سافر ميلت إلى بروكسل لحضور اجتماع غير رسميّ بدعوة من تويت، يقول: انتهزت الفرصة لأتحدث عن الوضع في «خيوس»، لماذا كانت المدرسة ضرورية، ولكن يجب ألا نبقى وحدنا من يحاول القيام بهذا الدور، فالوضع أساساً كان ينبغي ألا يحدث، فهؤلاء الأطفال عالقون على الجزيرة، من دون حماية أو دعم، لذلك كانت مدرستنا استجابة لحالة طارئة. لكن ميلت يضيف لاحقاً في التقرير قائلاً: لا يشكل الأطفال والقُصَّر أولوية لدى الاتحاد الأوروبي، فلقد عدت من بروكسل، وأنا على يقين أن شيئاً لن يتغيّر، سيبقى الأطفال عالقون هنا، وستبقى حمايتهم بالسوء نفسه الذي كانت عليه، وهذا هو ما ذكّرني بأن مشروعنا في غاية الأهمية.
وينهي روبرت ترافورد تقريره قائلاً: إن منظّمة «كن واعياً وشارك BAAS»، تركّز رسالتها في تهيئة الأطفال ليتمكنوا من الالتحاق بالتعليم النظامي كخطوة تالية. ناقلاً تصريح ميلت: نأمل أن يلتحق هؤلاء الأطفال بمدارس بحلول أيلول، فمن حق هؤلاء الأطفال الحصول على تعليم طبيعي، وليس من العدل أن يهمّشوا، وهو أمر سيتوجب على الحكومة في النهاية أن تتحمّل مسؤوليته.
«ساسة بوست»