الحريري يمهّد مع فرنجية والسنيورة ويخاطب كتلته: الأمر لي في الرئاسة مفاوضات متعددة تحت عيون الرياض وواشنطن… والعونيون يؤجّلون الشارع
كتب المحرر السياسي
الضوء الأميركي والسعودي الأصفر للحركة التي بدأها الرئيس سعد الحريري في الشأن الرئاسي، يشبه الضوء الأصفر أمام التفاهم الروسي الأميركي. ومثلما ستكون مفاوضات الحريري الرئاسية تحت العين الأميركية والسعودية، تتابع واشنطن والرياض معارك حلب عن كثب، وبحصيلة المراقبة هنا أو هناك سيظهر الضوء الأخضر أو الضوء الأحمر، وفقاً لمصادر سياسية معنية بالشأنين المتصلين بالمعارك الدائرة في سورية من جهة، وبالاستحقاق الرئاسي في لبنان، الذي لا يمكن فصل تعامل واشنطن معه من موقع التأثير على حلفائها باعتباره خط تماس مفتوحاً للتفاوض والاشتباك مع حزب الله، المعني بالاستحقاق وصاحب كلمة فصل فيه، ومشروع واضح له، والطرف المباشر المعني بملفين يقعان في الأولوية الأميركية، أمن «إسرائيل» ومستقبل سورية.
تنفتح ساحة حلب على التجاذب بالنار، مقابل تحضير منصة التفاوض اللبنانية، التي أمسك الحريري بضفته فيها، ممهّداً بنجاح مع كلّ من النائب سليمان فرنجية كشريك في الخيار الرئاسي وخيار الانفتاح على حزب الله، والرئيس فؤاد السنيورة صاحب القدرة على التأثير والتعطيل، والعين القادرة على مراقبة التفاوض، ووضع الحسابات وتقدير الموقف على طاولة الرياض وواشنطن بالتتابع، وانتقل الحريري إلى كتلته شارحاً ما قام به منذ بدأ البحث بالخيارات الرئاسية والتعقيدات الداخلية والإقليمية والدولية المحيطة به، طالباً صمتاً نيابياً ووزارياً تجاه هذا الملف من الآن، وحتى تنجلي المشاورات التي سيبدأها اليوم مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ويستكملها مع النائب وليد جنبلاط، والعماد ميشال عون، للبحث في فرص ترشيح العماد عون للرئاسة مخرجاً مناسباً للجميع ضمن مفهوم السلة التي تتضمّن طمأنة كلّ فريق حول القضايا والشؤون التي يعتبرها عناوين أساسية يترافق بتها ولو دون إعلان مع التفاهم على الشأن الرئاسي.
الضوء الأخضر في حلب للعودة إلى التفاهم من نيويورك تطلقه تطورات ميدانية متسارعة يخشى السعوديون والأميركيون وقوعها بنجاح الجيش السوري بإحداث اختراقات واسعة في أحياء حلب الشرقية، وسط الإعلان عن تزويد الجماعات المسلحة بصواريخ مضادّة للطائرات، قالت مصادر إعلامية روسية إنّ ظهورها في المعارك سيعني نعي التفاهم الروسي الأميركي، لأنّ التفاهم قائم مع واشنطن على اعتبار هذا التطور بمثابة قرار أميركي بالانسحاب من التعاون في ساحات عديدة ومجالات مختلفة، والانتقال إلى لغة المواجهة.
شدّ الحبال والتجاذب الحارّ في ميادين حلب يشبه الاستعدادات السياسية في بيروت، وأحدهما يكمل الآخر، والتهاون مع تقديم الحريري لعروض في لبنان قد يقابله السعي للحصول على تسهيل في سورية في تخفيض درجة التوتر العسكري، أو الطلب غير المباشر من حزب الله لتأجيل عمل ما إفساحاً في المجال للمفاوضات هنا وهناك، وفقاً لما رأته مصادر متابعة للملفين.
بانتظار التطورات المتسارعة في الملفين، وبانتظار الضوء الأخضر الذي لم يحصل عليه كلّ من وزير الخارجية الأميركي جون كيري والرئيس سعد الحريري للسير بالتفاهمات، محاولات يائسة لتوفير مقومات صمود للجماعات المسلحة في حلب لا تكسر الجرة الأميركية مع موسكو من حلب، لكنها توفر فرص إشعال الضوء الأحمر للمسارين.
بالانتظار اتجه التيار الوطني الحر إلى تأجيل نزوله إلى الشارع المقرّر اليوم، لأنّ ثمة فرص توافق يجب منحها الوقت قبل أيّ لجوء للتصعيد تتّسع له الأيام المقبلة إذا لم تحمل المحادثات جديداً.
خطوط التواصل بين الحريري وعون مفتوحة
لم تنضج الطبخة الرئاسية بعد، والأنظار تتجه الى الموعد الجديد الذي سيحدده الرئيس نبيه بري اليوم للجلسة السادسة والاربعين لانتخاب رئيس فهل تكون ثابتة أم انها ستكون على غرار الجلسات السابقة؟ حسم الرئيس سعد الحريري كشخص خياراته، يحاول وفق المقربين منه ان يذلل العقد، لكنه يحتاج الى مزيد من الوقت ليسوّق تبني ترشيح الجنرال عون على المستوى الداخلي وعلى مستوى الوزير سليمان فرنجية لإقناعه وإخراجه بأقل الخسائر الممكنة، وعلى مستوى الرئيس فؤاد السنيورة. وهذا الامر هو الأخطر، لأن الحريري يخشى أن يتداعى وضع التيار الداخلي. اقترب الحريري خطوة إلى الأمام، لكنه يحتاج الى جولة المشاورات ليأخذ المزيد من الوقت، ولكي لا يدفع التيار الوطني الحر الأمور باتجاه التصعيد السلبي يعقد المسائل، واللافت تأكيده للمعنيين بالملف الرئاسي أن خطوط التواصل بينه وبين الرابية مفتوحة، لذلك فإن عمله سينصبّ في الساعات المقبلة على الطلب من التيار الوطني الحر تأجيل تحركه وإعطاءه مهلاً جديدة، وألا يخرج منكسراً على مستوى فرنجية بعد أن بنى علاقة ثقة معه.
وفيما تترقب الساحة الداخلية لقاء الحريري بالرئيس نبيه بري المرجح اليوم، ثم زيارته رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط في كليمنصو، واجتماعه برئيس تكتل التغيير والاصلاح في الرابية قريباً، ترأس رئيس تيار المستقبل اجتماعاً مفصلياً لكتلته، بحضور الرئيس فؤاد السنيورة ووزير الداخلية نهاد المشنوق، للبحث في مسار جديد لانهاء الفراغ الرئاسي. وكان لافتاً خلو البيان الذي تلاه النائب عمار حوري من عبارة «التمسك أو الاستمرار في ترشيح الوزير فرنجية»، بعدما دأب على تكرار دعم ترشيح رئيس تيار المرده عقب كل اجتماع. وأشار حوري الى أن الرئيس الحريري بدأ مشاورات لتسريع انتخاب رئيس للجمهورية، ونؤكد تمسكنا بالثوابت القائمة على احترام الطائف والدستور. وكرر التأكيد على أن انتخاب رئيس للجمهورية هو المدخل الصحيح لحل أغلب المشكلات التي تعصف بلبنان في هذه المرحلة الخطيرة.
لقاء قريب بين الحريري وعون
وأكدت مصادر نيابية في تيار المستقبل لـ «البناء» ثقتها بخيارات الرئيس الحريري وقراراته التي يدرسها بهدوء وروية، مشيرة إلى «ان الكتلة لم تصدر يوماً بياناً يشير الى رفض انتخاب الجنرال عون رئيساً، فالتصريحات التي كانت تصدر ولا تزال هي تصريحات فردية وشخصية تعبر عن صاحبها». ولفتت المصادر الى «مشاورات سيجريها الحريري مع المكوّنات السياسية الاساسية لمعالجة الشغور الرئاسي، من دون أن تستبعد عقد لقاء قريب بين الرئيس الحريري و العماد ميشال عون فلا شيء يمنع ذلك. واعتبرت المصادر أن «تواصل الحريري مع حزب الله سيكون عبر الحوار الثنائي الذي سيستكمل البحث في الملف الرئاسي الذي كان مدار بحث ونقاش بين للمجتمعين». وأشارت إلى «أن خلاصة هذه المشاورات سيحملها الحريري الى اجتماع للكتلة ليُبنى على الشيء مقتضاه، لافتة الى ان المشاورات متعلقة بكل الوضع السياسي المحيط برئاسة الجمهورية».
لا شارع برتقالي اليوم
يستعدّ التيار الوطني الحر لكل الاحتمالات، يدرس خطواته بدقة للاسبوع المقبل، ويتعامل بحذر مع المفاوضات الجارية. صحيح أن رئيس تكتل التغيير والاصلاح لم يطل عبر «أو تي في» أمس، لأنه يريد ان يعطي الاتصالات فرصة تشجيعية، لكنه في الوقت نفسه لن يتخلى عن ورقة الشارع، فهو أبلغ حلفاءه أن تحركه جدي.
وفيما أشارت مصادر في التيار الوطني الحر لـ «البناء» إلى «أن التيار الوطني الحر لن ينزل الى الشارع اليوم، لكن العونيين حاضرون وجاهزون للتحرك في اي وقت وينتظرون القرار». تخوّفت مصادر نيابية في تكتل التغيير والإصلاح في حديث لـ «البناء» من «عملية يقوم بها الرئيس الحريري لاحتواء الشارع العوني وتنفيسه بذريعة أنه لا يجوز أن تقابل أجواء الحريري الإيجابية بجوّ مشحون في الشارع»، معربة عن قلقها «أن تعود الأمور إلى مجاريها بعد 13 تشرين»، لا سيما أن «الأجواء لم تنضج بعد، آملة ان تكون نيات الحريري صادقة وينهي مشاوراته لإنهاء الفراغ بانتخاب العماد عون».
وأكد وزير الخارجية جبران باسيل وجود محاولات لإحقاق الوفاق، منبهاً كل من يسعى الى تخريب البلد وتعطيل الشراكة قائلاً «سنتصدى له بكل ما نملك من قوة حتى الشهادة.» وكشف باسيل بعد اجتماع تكتل التغيير والإصلاح أننا عندما ندافع عن الميثاقية، ندافع عن الكل ولا نقبل بالمساس بحقوق المسيحيين أو المسلمين. نحن في خط الدفاع الأول عن كل لبناني يستهدف من الداخل أو من الخارج، من قبل الإرهاب أو من قبل اسرائيل، من دولة قريبة أو من دولة بعيدة».
مرحلة معالجة التداعيات
ووضعت مصادر مطلعة لـ «البناء» «البيانات التي صدرت اليوم وأمس عقب اجتماع الحريري – فرنجية من جهة وعقب اجتماع كل من كتلة المستقبل والتيار الوطني الحر، في خانة أمر ما يحدث من خارج السياق المألوف والرتابة، مشيرة الى ان «هذا الحراك له علاقة بمرشح وحيد الجنرال ميشال عون». واعتبرت المصادر «أن الحريري يقترب من الخيار الصعب، وقطع شوطاً حقيقياً باتجاهه». وقالت المصادر: «نحن في مرحلة معالجة التداعيات، الوقائع المباشرة لا تزال غير منظورة، فهناك سلة متكاملة تتعلق بتشكل الحكومة وقانون الانتخاب لا تقلّ أهمية عن الرئاسة وإن كان هناك تغيير في اللهجات».
التفاهمات تعبد طريق الرئاسة
وتؤكد مصادر عين التينة لـ «البناء» أن الظروف لم تنضج بعد ولا حلّ للأزمة الا بالتوافق على سلة متكاملة»، مشيرة إلى «أن الرئيس نبيه بري لا يضع فيتو على انتخاب العماد ميشال عون أو أي مرشح آخر، ما يهمه إنجاز الاستحقاق الدستوري والاتفاق على سلة من التفاهمات اللبنانية اللبنانية التي تعبد طريق الرئاسة وتفتح المجال أمام الرئيس العتيد للانطلاق بعهد رئاسي دون عقبات». ورداً على سؤال عن نقاط التباين بين الرئيس بري والعماد عون في ما يتعلق بالسلة المتكاملة، تجيب المصادر «عند الامتحان يُكرَم المرء أو يهان».
تأجيل تسريح قهوجي ليل غد
حكومياً، ينتظر الرئيس تمام سلام المشاورات قبل الدعوة لجلسة مجلس الوزراء. وأجرى سلام امس، لقاءات مع وزيري الصحة وائل ابو فاعور والدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دوفريج، بحثت في العقبات التي تقف أمام الدعوة للجلسة ، فيما ينتظر ان يصدر نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع سمير مقبل قبل منتصف ليل غد الخميس قراراً بتأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي، فيما لا يزال استدعاء رئيس الأركان وليد سلمان من الاحتياط بعد تسريحه غير محسوم.