جعجع الخاسر الأوّل سواء حصلت الانتخابات الرئاسية أو لم تحصل
حسن سلامه
لم يكن مفاجئاً إسراع رئيس «القوات» سمير جعجع إلى جمع الهيئة التنفيذية لحزبه لتقديم الاستعراض الذي أعلن فيه ترشّحه لرئاسة الجمهورية، ما أدى إلى وضع حلفائه في فريق «14 آذار» أمام مأزق جدي ليس سهلاً الخروج منه.
ماذا يعني هذا الترشيح وما هي أهدافه واستنتاجاته؟
تؤكد مصادر سياسية بارزة أن جعجع الذي يدرك أن وصوله إلى موقع رئاسة الجمهورية أقرب إلى «الخيال» منه إلى الواقع، حتى وإن يكن ساكن معراب يخال أمام المرآة أن من حقه كماروني، بعيداً عن تاريخه الأسود، الوصول إلى قصر بعبدا! إلا أن المصادر ترى في هذا الترشيح أكثر من هدف سياسي وحزبي بالنسبة إلى جعجع وقواته ومن أبرز هذه الأهداف:
ـ أولاً، يراد من الترشيح قطع الطريق على أي مرشح آخر من فريق «14 آذار» بحيث يستحيل على هذا الفريق تبني أي مرشح غير جعجع، لأن ذلك سيؤدي إلى فك تحالف القوى المنضوية فيه.
ـ ثانياً، يراد منه حشر «تيار المستقبل» كي لا يذهب بعيداً في حواره مع العماد ميشال عون والذي قد ينتهي بتأييد «المستقبل» وصول «الجنرال» إلى الرئاسة.
ـ ثالثاً، يدرك جعجع أن حظوظه لا تزيد على صفر حتى لو أيده بعض حلفائه في «14 آذار»، وأنه يقود معركة ليس للحؤول فحسب دون وصول العماد عون إلى بعبدا، بل للحؤول أيضاً دون وصول المرشحين الآخرين في الفريق الذي ينتمي إليه، فمنع وصول أيّ من هؤلاء المرشحين يعني لرئيس «القوات» اصطياد أكثر من عصفور بحجر واحد، وفي ذلك أمران رئيسيان، الأول أن وصول العماد عون أو أي مرشح من داخل «14 آذار» سيشكل مقتلاً كبيراً لحضوره السياسي ولحزبه، والثاني رغبته في أن يكون ناخباً أساسياً في تحديد شخصية الرئيس العتيد، فهو يضمن بذلك ليس «مونة» كبيرة على الرئيس المقبل فحسب، بل تكون له حصة كبيرة في كل ما يتعلق بإدارة الدولة في المرحلة المقبلة، حكومياً وإدارياً وحتى سياسياً.
لذا تقول المصادر السياسية إن حركة جعجع تبدو مكشوفة الأهداف لحلفائه وخصومه على حد سواء، فرئيس «القوات» أدرك قبل سواه أن لا مكان له حتى بين المرشحين الجديين في السباق إلى قصر بعبدا، ويريد من هذه «المسرحية» قطع الطريق على مرشحين جديين بدأت تتضح احتمالات وصولهم إلى الرئاسة الأولى نتيجة تقاطعات إقليمية ـ دولية وداخلية، وفي مقدم هؤلاء العماد ميشال عون. وهو يستهدف بالتالي أخيراً من حركته الدفع نحو الفراغ إذا لم يكن مساهماً رئيسياً في إدارة اللعبة الانتخابية وتحديد اسم الرئيس الجديد.
لكن المصادر السياسية ترى أن جعجع سيكون خاسراً، سواء اتجهت الأمور نحو انتخاب رئيس توافقي أو حالت المعطيات الداخلية والخارجية دون الاتفاق على شخصية الرئيس المقبل. فإذا كانت المعطيات مؤاتية لانتخاب رئيس للجمهورية فإن شخصية هذا الرئيس ستتقاطع عندها التفاهمات الإقليمية والدولية، وتحديداً ما بين إيران وروسيا وسورية من جهة، والسعودية والولايات المتحدة وفرنسا من جهة أخرى، كما أن هذه التفاهمات ستعكس نفسها بين الأطراف اللبنانية وبخاصة الكتل النيابية الأساسية، ما يعني أن رئيس «القوات» سيكون مجرد ناخب أقل من عادي، ولن تكون له بصمات على اسم الرئيس الجديد سواء صوّت في جلسة الانتخاب لمصلحة الاسم التوافقي أو سجل اعتراضه على ذلك.
أما إذا حالت المعطيات الخارجية والداخلية دون التفاهم على اسم الرئيس الجديد للجمهورية فسيكون جعجع أول الخاسرين، إذ لا مجال في ظل الانقسام العمودي والانفجار في البلاد أن تذهب الأمور نحو انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً، كما أن بقاءه خارج حكومة تمام سلام ستجعله خارج القرار السياسي الذي ستمثله الحكومة في إدارة شؤون البلاد إلى حين نضوج ظروف مؤاتية لانتخابات رئاسة الجمهورية.