عالم من فراغ
بلال شرارة
هنا الفراغ… الفراغ الشديد، المستبدّ، الحاسم، الطاغي، المستمرّ، المتواصل.
هنا في الفراغ ليس هناك نمط من أنماط السلطة سوى الفراغ. هنا لا كيانات، لا حدود سيادية برية، لا مجال جوي، لا مياه إقليمية لا إقامة ولا اغتراب. لا أوطان ولا منافي. هنا لا صوت ولا جدار للصوت، لا ضجيج ولا سكون بل شيء مثل الخدر…
سكوت خالص يسود اللامكان. هنا لا ساعة للوقت، بل لا وقت، لا أشهر شمسية ولا قمرية، لا مواعيد ولا جدول مواعيد.
لا روزنامة ايام ولا تاريخ ولا تأريخ.
هنا لا تعاقب لليل او النهار. لا شمس ولا قمر، لا ضوء ولا ظلّ.
هنا لا أنهر جارية ولا مياه جوفية. لا محيطات ولا بحار.
هنا لا حركة حرة للموج، لا استكانة للماء ولا عربدة لوحوش البحر.
هنا لا مشاعر ولا أحاسيس.
هنا لا بنايات عالية عارية تنهض على الشاطئ، ولا أودية مغامرة ولا جبال تضع الشمس في جيبها الخلفي.
هنا لا طرقات تمشي بنا أبعد من الصخرة الرمادية التي تقيم عندها الهداهد.
هنا لا تركض الخيول في سهوب القصائد.
هنا لا قصائد ولا خيول.
هنا لا عشاق أسطوريين ولا معشوقات يرتدين ستر الليل. هنا لا محاربين ولا استراحة لراحة أنفسهم. أساساً هنا لا حروب صغيرة ولا كبيرة.
هنا لا نبصر أبعد من زرقاء اليمامة، ولا أبعد من حتف أنوفنا.
هنا لا نبصر. نحن أساساً لا نبصر.
هنا نهيم على وجوهنا بلا هدف، نسرق أنفسنا من أنفسنا. هنا كتب فيكتور هيغو عن جولييت في قصته عمال البحر أنّ الناس كانت تشاهده يصافح صخرة تغني.
هنا لا نفايات، لا فساد بيئي، لا مياه آسنة، ولا مَن يغسل الرمول في الأنهر ولا مَن يحزنون.
هنا لا أحزان ولا أفراح عامرة في ديارنا، هنا لا شيء… لا شيء البتة.
هنا الفراغ المكتوب والمسموع والمرئي… فراغ واحد مقتبس، منقول متحوّل ودائماً محكوم بالفراغ.
هنا الفراغ فضاء داخلي وليس خارجياً فقط.
هنا في هذا الفراغ لا أراكم ولا أسمعكم ولا أحسّكم، وكذلك أنتم في المقابل لا تنتبهون إلى وحشتي هنا، لا أنا أنا ولا أنتم كذلك !
أنا أبحث عن مزيد من الفراغ! هل لديكم ما يفيض عن حاجتكم؟