الرياض ـ طهران… بين الخوف والرجاء! محمد صادق الحسيني

لا احد يستطيع القطع أو الجزم بنوع الحدث المدلهم الذي دفع القيادة السعودية باستعجال طلب قدوم مساعد وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان إلى الرياض على رغم أن الطلب موضوع على طاولة العاهل السعودي لأسابيع طويلة من دون بت!.

هل هو خطر داعش الداهم الذي يقترب من بيت العائلة المالكة مما قد يهدد ليس فقط امن المملكة بل ويدفع بصراع الأجنحة إلى أوجه؟!

أم هو اقتراب أنصار الله الحوثيين بعد تحالفهم الموسع مع قوى وطنية وشعبية وقبائلية يمنية تكاد تطبق على حكومة صنعاء وتسقطها أرضاً وتقطع أنفاس أصحاب المبادرة الخليجية التي تقف وراءها!؟

أو أن الراعي الأميركي لمعسكر «الاعتدال العربي» بات في ضيق شديد من كثرة تعثر الرياض وترددها في اللحاق بالمدرسة «الأوبامية» البراغماتية جداً مع «ضلع مثلث الشر» الإيراني!؟

أو أن التنافس القطري السعودي وتضعضع البيت الخليجي على خلفية انقسامات الرأي حول طريقة التعامل مع ملفات المنطقة الساخنة جعلت الرياض مكرهة على اختيار أهون الشرين بعد أن وصلت القطيعة مع الدوحة محطة اللاعودة!؟

لا يتوقف أحد كثيراً عند الإعلان المتكرر بين الفينة والأخرى عن أن الأمر الأخير هذا قد سوي وأن الأمور عادت بين الدوحة وزميلاتها في مجلس التعاون قد عادت إلى طبيعتها لأن الجميع أخذ علماً بأن هذا الإعلان ليس أكثر من مجرد «اسبيرين». الهدف منه تسكين التداعيات الموجعة للخلاف العمودي والعميق.

أياً تكن الأسباب فالأوامر «الهمايونية» المستعجلة المرسلة للأمير «العصبي المزاج» على حد تعبير سفير خليجي لعبت بلاده دور الوسيط طويلاً بين الرياض وطهران، كانت وراء قبول الوزير سعود الفيصل لاستقبال عبد اللهيان في بيته علامة على تكريم خاص.

رسائل شفهية كثيرة كانت في هذه الأثناء قد وصلت للعاهل السعودي ومن قنوات عدة تفيد بان الإيرانيين يمتلكون وثائق دامغة تدين الأمير بندر بن سلطان بضلوعه في تفجيرات السفارة الإيرانية في بيروت وكذلك الملحقية الثقافية ونشاطات إرهابية أخرى كانت تعد لما هو أخطر.

بعث بها الإيرانيون إلى قمة الهرم في الرياض مع توصية وشرح وتوضيح بأن القادم من الأيام يحمل مخاطر كبيرة على الجميع وعليه لا بد من قبول النصيحة التالية:

علينا جميعاً أن لا نطيل النظر في مرآة السيارة الأمامية، لأن ذلك وإن كان القليل منه ضرورياً إلا أن «التسمر» أمامها قد يجعلنا نفقد قدرتنا على النظر لما هو أمامنا سواء كان من أخطار أو فرص متاحة للحاق بفرص سباق جيدة لكل سائق ماهر، على حد تعبير مصدر مطلع على مجريات الشد والجذب في رحلة الشتاء والصيف السعودية الإيرانية.

كل الملفات حضرت ولكنها على «يخت» العلاقات الثنائية كما تقول مصادر مطلعة على لقاء المسؤول الإيراني الرفيع مع الأمير السعودي الذي كان حريصاً على أن يظهر بأنه الوحيد المسؤول عن ملف إيران وأنه يريد إيصاله إلى شاطئ التصالح والأمن والأمان ما دام هو على قيد الحياة.

وأنه أخيراً قد يقبل بالتجديد والتغيير في بعض القراءات لملفات المنطقة ما دام قد ظهر عدو مشترك لطهران والرياض معاً.

اتفق الطرفان على آليات التواصل وسبل التقدم بخطوات تصاعدية تفضي إلى محطات جديدة تبدأ بلقاء الوزيرين في الرياض ومن ثم الانتقال إلى طهران وبعدها قد يتوج الأمر إلى ما هو أعلى من ذلك إذا سارت أمور الثنائي والمحيط كما يشتهي ربان سفينة العائلة الذي يبدو أنه يشعر على حد ما سمع الضيف المكرم وكأن البحار تموج وترتج من حوله.

الوسيط الكويتي يرى في العراق مفتاحاً.

ووسطاء آخرون يرون في خطر داعش جامعاً.

ومراقبون متابعون ومهتمون يرون في اليمن هماً جامعاً مانعاً.

نعم سورية قد تكون بوابة فتح قفل التغيير والتحول من مشهد إلى آخر.

لبنان آخر المحطات التي لن تكون سهلة أبداً على رغم كونها الخلقة الأضعف في الجسم العربي الرسمي.

أما فلسطين فهي السهل الممتنع دوماً.

فما أسهل التوافق عليها قضية مركزية جامعة!

وما أبعد المسافات بين رؤية وأخرى.

وأما «الشيطان الأكبر» فهو الحاضر الغائب المشوق المانع والمخاتل اللاسع والمراوغ القاطع. يقول شيئاً هنا وآخر هناك!

يبيع ويشتري بأحد ملفات المنطقة أكثر من مئة مرة من دون أن يسلم البضاعة ولا مرة واحدة.

حائك السجاد الإيراني يعي ذلك تماماً. لذلك تراه يفصل بوضوح بين ملف علاقاته مع هذا المراوغ الذي يتعامل معه لأجل إتمام الحجة معه ليس أكثر، وهو العارف بأنه سيمزق المواثيق في أول فرصة، وبين ملفات جيران يعتبرهم أبديين ولا يجوز النكث بالعهود معهم، شرط أن يقرروا الإقلاع بيختهم، من دون حماية سفينة أميركية شريرة يعرفون أن عينها على شيطان صغير هي من أرضعته ولا تزال تغذيه على حساب سكان الأرض وأصحاب الحق الأصليين.

بين «الخوف والرجاء» يعيش أمراء منطقة المياه الدافئة في الضفة الجنوبية من بحيرة الأخاء العربي الإيراني وهم ينظرون إلى الراعي الأكبر لسياساتهم الإقليمية والدولية أهي الحرب المقبلة أم التسوية وعالم الصفقات!؟

هذا فيما يتعاطى جارهم الشمالي على الطرف الآخر من هذه البحيرة في السلم كما في الحرب بعلم اليقين وعيونهم الأربعة مفتحة باتجاه ما وراء البحار، عيون لم يألفها كبيرهم الذي علمهم السحر، عقيدة وعزيمة وعلم وعقل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى