«العظة».. كلامُ حقٍّ لا يُراد به باطل أو صبّ زيت على النار

هتاف دهام

لبنان أمام أسبوعين حاسمين في استبيان المياه التي دفعها رئيس تيار المستقبل سعد الحريري. هل ستدخل في سلة أو في وعاء يحافظ عليه؟

حرّكت جولة رئيس تيار المستقبل الأخيرة التي ستشمل سيد بكركي أيضاً ، المياه الراكدة وإن لم تقترن بعد بإعلان سوف يكون نقطة البداية – النهاية. يرتب هذا الأداء قواعد جديدة. يضع كل طرف أمام مسؤولياته. أول هؤلاء الشيخ سعد من المنتظر أن يعود من جولته الخارجية خلال اليومين المقبلين. تبلّغ النواب الزرق أن اجتماع الكتلة أرجئ من اليوم إلى بعد غد الخميس.

يعوّل الكثيرون على إخراج الحريري موقفه من تبني دعم الجنرال ميشال عون من الصالونات الضيقة إلى المنابر الإعلامية. في كتلته، بقي الرئيس فؤاد السنيورة والنائب أحمد فتفت وحدهما يغردان خارج سرب التسوية.

إلى ذلك الحين، يطل رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون مساء اليوم في حديث تلفزيوني عبر الشاشة البرتقالية. كل الكلام في هذه المرحلة المفصلية هو لجنرال الرابية. لا كلام قبل كلامه. ولا كلام بعده إلا بهَدْيه. لا تصرّف بعده الا وفق منطوقه. ذلك أن الأمور لم تعد تحتمل التأويل أو التفسير أو التسويف. هذا ما يقوله عضو التكتل الوزير السابق سليم جريصاتي لـ «البناء».

إن التفاهمات الكبرى، بحسب جريصاتي، لا خلاف عليها. أما كل تفاهم آخر، لا سيما إن كان سلطوي الطابع، إنما هو مقيِّد للرئيس ومؤسِّس لعُرف يرسي اتفاق الدوحة المشؤوم قاعدة دائمة وإطاراً محصناً لاختيار رئيس البلاد في كل زمان ومكان. هذا ما لن نقبله ابداً، ولن نوافق على أن يوضع مكوّننا، من منطلق أن تحركنا هو تحرك وطني بامتياز، في موضع المخاصمة مع أي مكون آخر.

وفق جريصاتي، المطلوب التعالي عن المصالح الشخصية الضيقة والارتقاء إلى مستوى التفاهمات الكبرى التي بدأت ملامحها تلوح في المنطقة، ما انعكس على لبنان انفتاحاً من المكوّنات على بعضها بعضاً. لا يجوز لأحد مهما علا شأنه وإلى أي مكوّن انتمى، أن يقف حجرة عثرة أمام تلاقي المكوّنات على مشروع إنقاذ الدولة باعتماد الحلول المحصّنة الميثاقية والدستورية.

لا يملك التيار الوطني الحر ترف الاتهام في ظل الانفتاح، أو ترف التحدي والانقلاب على المسلّمات في ظل تغليب الميثاق والدستور على ما عداهما من ممارسات ومناهج. ينفر، كما يقول جريصاتي، من نظريات المؤامرة وتنفيذ الإملاءات الخارجية والأهداف الدفينة وتصفية الحسابات القديمة والجديدة ورفع المتاريس السلطوية. لا يتهم أي مرجعية بل يجلّها عن أن تخوض محاولة إفشال بوادر المصالحة الوطنية الكبرى التي تبدأ بانتخاب الرئيس.

لكن، لمن وجّه البطريرك الماروني بشارة الراعي كلامه «كيف لمرشح رئاسي ذي كرامة أن يقبل بالسلة، وأن يُعرَّى من مسؤولياته الدستورية؟».

هل يريد البطريرك الجنرال رئيساً؟ لماذا رفض «سلة عين التينة» وافتعل مشكلة مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري؟ ولكن موقفاً كهذا غاب كلياً عن عظاته قبل انتخاب الرئيس السابق ميشال سليمان وبعده، ولماذا تهويل البطريرك ببيان تصعيدي لمجلس المطارنة الموارنة يوم غد؟

في كلام سيد الصرح حق لا يُراد به باطل، وإن كان استغلاله في الصراع سهلاً ويصبّ في خانة تأجيجه بدلاً من تهدئته. لن يقع أحد، وفق التيار الوطني الحر، في الفِخاخ. يفترض التيار البرتقالي حسن النية عند سيد الكنيسة. هذا أقل الإيمان. لا يضع في حسبانه أن الراعي برفعه السقف عند قوله الحق، يسعى لعرقلة وصول العماد.

يقول قطب بارز في 8 آذار لـ «البناء» «إن من يرغب في وصول الجنرال إلى بعبدا لا يفتعل إشكالاً كهذا. لا يصب الزيت على النار. يأتي تصريحه في خانة الخربطة وليس المعالجة. العلاقة بين الرابية وبكركي ليست على ما يرام أصلاً، للبطريرك الراعي مرشحه، لكنه لن يصبح رئيساً».

يبدي القطب البارز استياءه من «خضّة عظة بكركي»، في وقت تعمل جهات سياسية وأمنية أبرزها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم على تقريب وجهات النظر بين عين التينة والرابية. وكان رئيس تكتل التغيير والإصلاح بصدد القيام بخطوات إيجابية تجاه رئيس المجلس والمبادرة بالتواصل والبحث في نقاط الخلاف بينهما.

وفق القطب نفسه، لم يكن بري ليشترط على النائب سليمان فرنجية سلة كهذه. يتحدث الجميع بهذه الفرضية، لأن بيك بنشعي ليس جنرال الرابية. رئيس المرده على انسجام تام مع رئيس حركة أمل. تاريخ مشترك من العلاقة بينهما. أما الرئيس الفخري للتيار الوطني الحر فشخصية مختلفة. موقعه وحساباته مختلفة، لذلك من الطبيعي أن يسعى رئيس المجلس للتفاهم معه.

يشدد القطب نفسه، على أن افتعال الراعي السجال ذا الطابع الشحنوي المذهبي والطائفي يهدف الى أمرين: الأمر الأول إظهار نفسه بموقع المتصدي للدفاع عن حقوق مسيحية عموماً ومارونية خصوصاً. هذا غير صحيح، لأن أية سلة المعني بتطبيقها رئيس الحكومة «السني». كل ما في الأمر أن السلة سترافق الرئيس، وسيكون تطبيقها بعد انتخابه بشكل متدرج.

مع انتخاب الرئيس، تلزم القوى السياسية نفسها تحت الطاولة بهذه السلة. مهمة الأخيرة التسهيل وليس التعقيد. سلة كهذه لا تنتزع حقوقاً طائفية من أحد لتعطيها لأحد آخر.

الأمر الثاني، افتعال سجال سياسي هدفه تعقيد الأمور على الجنرال عون وليس تسهيلها. هذا يثبت أن للبطريرك الراعي نيات كامنة تخالف الموقف المعلن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى