بكركي المسؤولة: غير «المسؤولة»
روزانا رمّال
بشكل «مبكر» خرجت «أهم» أشكال التصويب على انطلاق حركة المساعي الرئاسية الجديدة في البلاد قوامها انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، مقابل تسمية الرئيس سعد الحريري رئيساً للوزراء، وما يعني ذلك من استكمال ملف السلة كأساس لمخرج قادر على نقل البلاد الى الضفة السليمة وبالتالي حسم الى جانب رئيس الوزراء شكل قانون الانتخاب وغيرها من الاستحقاقات المتوقفة وهي أي «السلة» ما كان قد «طرحه» حزب الله وما «أيدته « حركة امل الرئيس بري – وما «يحتاجه» الرئيس سعد الحريري اي تيار المستقبل ليعود الى السراي الحكومي كلها، اضافة الى التيار الوطني الحر اطراف كبرى في البلاد «ذات وزن» وثقل سياسي وشعبي وتمثل رمزية طوائف اساسية كلها تدفع نحو سلة قادرة على انتاج اتفاق جدي ما خلا بعض الاصوات الفردية من اسماء لا يشكل حضورها السياسي ثقلاً.
التصويب جاء من بكركي التي قالت بلسان البطريرك الراعي إن قبول اي مرشح بسلة شريطة وصوله للرئاسة لا يمتّ لصفات مرشح يتمتع بالكرامة.
الحديث هنا عن اعتبار التفاهم بين اللبنانيين أو القسم الأغلب والاكثر وزناً منهم وصانع الحدث السياسي هو خطيئة كبرى.
لا تبدو بكركي «مسؤولة» في لحظات من هذا النوع ولا تدرك أن تصريحاً بهذا الحجم يعرض السلم الأهلي للخطر وسيفتح باباً واسعاً من السجالات بين المسلمين كافة والمسيحيين كافة وستقسم الشارع اللبناني بشكل عمودي مجدداً.
تبدو بكركي هنا تتوجّه بالانتقاد الى الرئيس بري على انه عراب لفكرة السلة او أنه قد روّج لها «فردّ» بما توجّب، لكنها ربما تغفل ان الفكرة طرحها حزب الله عبر السيد نصرالله كمخرج لإشراك الحريري كرئيس اكبر فصيل سني في البلاد، واذا كان هناك من يريد ان يعمم اي خلاف بين الشارعين الشيعي والماروني، فإن هذا منعطف في التاريخ الحديث وسابقة لبكركي التي بدت عازمة على «إحراج» المرشح ميشال عون.
السؤال الذي طرحه المراقبون تجسّد بالتالي «لماذا لم يخرج عن بكركي هذا النوع من الحرص في عام 2008 عندما تم انتخاب رئيس للجمهورية بطريقة الاتفاق على السلة مسبقاً فهل هي صحوة متأخرة؟ واذا كان هذا صحيحاً فإن هذا «معيباً» بحق الصرح «الحكيم» الذي يجب أن يتمسك بمسلمات من هذا النوع في الوقت الذي لا يتحمل فيه لبنان ارتجال انتقادات من هذا النوع على «بغتة».
تلوح اجواء خفوت الحماسة والاندفاعة التي جاء بهما الرئيس سعد الحريري، والكل ينتظر عودته مجدداً من جولته الى روسيا وتركيا، حيث يزور الدولتين الأكثر فعالية واستراتيجية بالعمق السياسي الإقليمي في المرحلة المقبلة، خصوصاً روسيا التي سترافق هموم واستحقاقات أبناء المنطقة لسنوات طويلة مقبلة بعد حضورها في سوريا.
جولة الحريري لا تعني أن الطريق تعبّدت لانتخاب عون رئيساً للجمهورية بل تعمّق قناعة الحاجة للاستحصال على تأشيرة توافق خارجية غير متوفرة حتى الساعة، وفي الواقع تأتي كلمات بكركي التي قرأت «بالتعطيلية» لتقول إنها لا تحبّذ بكلام أو بآخر أن يأتي عون رئيساً، وهذا ما لا يمكنها نفيه بعد ما أوحته من اعتراض على اتفاق شبه واضح على ضرورة «السلة» بين اللبنانيين.
يستغرب مصدر متابع للحراك السياسي ومشارك في مرحلة انتخاب الرئيس ميشال سليمان عام 2008 لـ «البناء» من تصريح البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي شكل مفاجأة في مثل هذا الوقت، حسبما قال بعدما اعادت حركة الحريري السياسية اجواء الامل الى اللبنانيين وقرّبت امكانية وصول مرشح المسيحيين الأكثري العماد ميشال عون نحو قصر بعبدا وهي تعرف استحالة أن يأتي رئيس من دون الاتفاق على التفاصيل قبل انتخابه لعوامل كبرى تتحكّم بشكل الحكم في البلاد لا يمكن لبكركي الانتفاضة لإصلاحها دون أرضية ويضيف المصدر: «لا يمكن التقليل مما صدر عن غبطة البطريرك الراعي، فما قاله ستكون له تداعيات أكيدة على الملف الرئاسي، وعلى دعم بكركي لوصول المرشح عون الى الحكم وعلى دعم نجاح عهده أو أي رئيس آخر مع تعميم فكرة رفض السلة. فوصول أي مرشح للرئاسة لا يهم مقابل «إفشال عهده وتعجيزه»، ليبقى السؤال عن الطرف المستفيد من كلام بكركي مرجحاً أن يكون ما صدر عن الراعي رغبة خارجية ما «لا تريد» لعون أن يأتي رئيساً للجمهورية وهي نفسها التي أرادت إيصال ميشال سليمان الى الرئاسة بشروط السلة..
يختم المصدر «ربما لا تكون بكركي «مسؤولة» عن الموقف الذي أصدرته، لكن هذا لا يلغي مسؤوليتها في ما كان مفترضاً أن يظهر من «حرص» على عدم نشر أجواء من التشاؤم في مرحلة مبكرة جداً لا تتخطّى الأيام من تحرك الحريري».
عيون اللبنانيين شاخصة نحو بارقة أمل يعود فيها الرئيس سعد الحريري لانتخاب رئيس للجمهورية أخيراً، بعدما بدت نسبة التصويب المحلي على تحركه أعلى في الساعات الاخيرة، وبينها الى جانب بكركي ايحاءات النائب وليد جنبلاط ورسومه المحبطة.
وعلى أي حال فإن أي حل بدون «سلة» كتلك التي ترفضها بكركي ليس وارداً بظل الانقسام الخطير بالمنطقة، حيث تشكل المخرج الوحيد لاحتضان بعض الأطراف والبيوتات السياسية التي تكاد تفقد قدرتها على المشاركة بالحكم مع كل اقتراب للحسم العسكري والسياسي في سوريا والمنطقة انسجاماً مع أي اتفاق أميركي روسي مقبل.