السعودية تفتح باب المساومة مع عون!

هتاف دهام

بدأ الحراك الدولي والإقليمي والمحلي لمقاربة الاستحقاق الرئاسي. بعثت عواصم القرار المؤثِّرة في هذا الاستحقاق رسائل إلى القادة السياسيين تؤكد الحرص على الاستقرار في لبنان، وإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، وتجنّب الفراغ.


افتتح رئيس حزب القوات سمير جعجع الماراثون الرئاسي إلى بعبدا بإعلان ترشحه، رغم عدم تبنّي تيار المستقبل وفريق 14 آذار هذا الترشح. قافلة مرشحي 14 آذار كبيرة، ولذلك أبلغ رئيس كتلة المستقبل سعد الحريري رئيس «القوات» أول من أمس عبر النائب السابق غطاس خوري ضرورة الحفاظ على وحدة قوى 14 آذار في هذه المرحلة لإيصال مرشح موحد من قبلها إلى السباق الرئاسي.

على المقلب الآخر، حسم حزب الله على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله اسم مرشحه للرئاسة من دون أن يسمّيه، فالانتخابات الرئاسية غير محسومة وعندما يُحسم خيار إجرائها، تحسم الأسماء، وعندئد يصبح ممكناً حسم حظوظ هذا المرشح أو ذاك من فريقي 8 و14 آذار.

رسم رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد عون في خلوة دير القلعة خريطة جديدة في التواصل مع القوى السياسية. أكد احتفاظه وعدم تخلّيه عن المبادئ الأساسية دونما حاجة إلى استفزاز الآخر. قرّر الانفتاح على جميع الكتل السياسية، من دون أن يعني ذلك أنّ التيار الوطني الحر بلا لون. فالبرتقالي لم يحِد عن الأصفر، وورقة التفاهم المبرمة مع حزب الله تهدف إلى فتح آفاق الحوار بين مختلف الأفرقاء في مواجهة الانعزاليين.

أحدث «الوطني الحر» خرقاً في العلاقة مع تيار المستقبل، فهناك أياد نظيفة في هذا التيار. التقى الجنرال عون في روما الرئيس الحريري، وسبقت ذلك لقاءات بين الوزير جبران باسيل ونادر الحريري. تفهّم حزب الله ضرورات المعركة الرئاسية وما تمليه من تحركات محلية وإقليمية ودولية، ومن حق العماد عون أن يأخذ الخطوات الضرورية لإيصاله إلى سدة الرئاسة.

لم تثر سياسة العماد عون الانفتاحية حفيظة حزب الله. يظهر «التيار البرتقالي» مرونة في بعض المواقف أملتها طبيعة المرحلة ولا يتحسّس منها حزب الله، فهو لم يعلن يوماً أنه ضدّ ما يقوم به جنرال الرابية. نقاط التفاهم والالتقاء أقوى من أيّ تباين في اللغة. لا اختلاف في الموقف، والمشكلة إنْ حصلت هي في كيفية التعبير عن الموقف.

يأخذ حزب الله في الاعتبار المرحلة الجديدة وما تتطلبه. فبين الحين والآخر تصدر مواقف عن «التيار» تختلف عن موقف حزب الله من قضايا تتعلق بالأزمة السورية والمقاومة، إذ لم يرُق لحزب الله بقاء وزير الخارجية جبران باسيل في مقعده في القمة العربية أثناء إلقاء رئيس الائتلاف السوري أحمد الجربا كلمته، بل كان ينتظر من وزير الخارجية التصدي لذلك، أو على الأقلّ الانسحاب مثلما فعل وزير المالية علي حسن خليل، إلاّ أنّ لباسيل تقديره، فهو يعتبر أنه يطبّق سياسة النأي بالنفس، وهو موقف سرعان ما تفهّمه فريق 8 آذار وكان موضع ترحيب من فريق 14 آذار، إذ اعتبر هذا الفريق أنّ باسيل يلتزم بسياسة الحكومة بحسب ما كشف أول من أمس الوزير نهاد المشنوق، أكثر من الوزير عدنان منصور الموجود في موقع سياسي مغاير عن الوزير العوني، وخلفيته التمثيلية مختلفة أيضاً.

ولما كان ترشيح العماد عون، الذي لا يعتبر صدامياً، يحظى بترحيب أميركي تبلّغته الرابية، فإنّ المملكة العربية السعودية التي أعلنت «أنّ العماد عون قد يكون جزءاً من النجاح والحلّ إذا تمّ انتخابه رئيساً للجمهورية اللبنانية، رغم أنه لا يقل سوءاً عن غيره»، فتحت جدّياً باب المساومة أمام العماد عون، بعدما حاولت عبر زيارة السفير السعودي علي عواض عسيري، تلمّس إمكان المساومة التي تقوم على انتخاب العماد عون رئيساً مقابل رجوع تيار المستقبل إلى السلطة، وعدم فتح الماضي المالي، ونجحت. إلا أن ذلك لا يكفي، فمواقف السعودية من لبنان وسورية وحزب الله لا تشجع، لذا عليها أن تبرهن عن حسن النيات والأفعال.

العماد عون الذي أثبت في أكثر من محطة أنه لا يساوم على الثوابت، لن يحقق لو أصبح رئيساً للجمهورية ما تبتغيه الدول الإقليمية والدولية من نزع لسلاح حزب الله، فهو يعتبر أنّ خيار المقاومة ضرورة وخارج المناقشة. وسيركز جهده على فتح حوار داخلي مع حزب الله يشارك فيه الجميع، لا سيما تيار المستقبل حول الاستراتيجية الدفاعية.

يدرك تيار المستقبل وفق «الوطني الحر» أنّ مصلحته تكمن في انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، فمن شأن ذلك أن يعيد الرئيس سعد الحريري إلى السراي الحكومية من الباب الكبير، بعدما أسقطت حكومته من الرابية.

أكدت التجارب أنّ «الوطني الحر» قادر على إجراء المصالحات الوطنية، لا سيما بين حزب الله و«التيار الأزرق»، فلما استشعر تيار المستقبل أنه بدأ يغرق في مستنقع البؤر الأمنية في طرابلس، رضخ لِما كان يطالب به حزب الله منذ سنوات من خطة أمنية، استغلّ «الوطني الحرّ» الظرف المستجدّ التقاء المصالح بين المستقبل وحزب الله ولعب الدور لإنضاج الطبخة وتقريب وجهات النظر وما سيستتبع ذلك من لقاءات قد يساهم هذا التيار في انعقادها.

لعب العماد عون وفق «الوطني الحرّ» دور الإطفائي للحريق السني- الشيعي الذي لو اندلع فسيلتهم الجميع، والمسايرة في بعض المحطات لإنقاذ البلد من أزمات معدّة له مسبقاً لا تعتبر عمل جبان، بل هو عمل يرقى إلى مستوى البطولة.

في نظر العونيين، من حق جنرال الرابية أن يكون فخامة الرئيس «حتى يصير عنا جمهورية»، فهو لا يهادن ولا يساوم، بل يعتمد في هذه الفترة سياسة التهدئة وتجنب الاستفزازات. إنه رجل المرحلة لإيجاد الحلول السياسية. لن يتراجع عن مكافحة الفساد. لن يتراجع عما ورد في كتاب «الإبراء المستحيل»، ولن يسحب اقتراح محاكمة الجرائم المالية، إلا أنه لن يتكلم في هذه الواضيع راهناَ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى