أوباما وإدارته… إصرارٌ على الفشل!
د. خيام محمد الزعبي
رغم ادّعاءات أميركا بالسعي إلى حلّ الأزمة السورية بالسبل والطرق السلمية، فإنها تستمرّ في إعادة وضع الخطط وتغيير التكتيكات المعتمدة في العدوان على سورية، فهي تمارس لعبة المناورة بحيث تسعى إلى محاولة إجراء تغييرات بين الواقع الميداني عبر تكرار التجارب الفاشلة عن طريق إنشاء عناصر سلفية متطرفة، وغضّ النظر عن قيام تركيا بمساعدة المجموعات المسلحة من أجل تعزيز سيطرة هذه المجموعات على مناطق مختلفة في سورية والتعويض عن الخسائر التي تعرّضت لها هذه المجموعات خلال معارك حلب الأخيرة، ولهذا يعطل هؤلاء المساعي لإيجاد حل للأزمة، وتعتبر حلب هي النموذج للرغبة الأميركية في الاستمرار بالحرب، والادّعاء بالرغبة في تحريرها هو نفاق تختبئ وراءه عمالة داعش لأميركا وتورّط بعض الأطراف معها مدفوعين بوعود مزيّفة.
في سياق متصل تبادلت أميركا وروسيا، الاتهامات حول جدية كلّ منهما في محاربة الإرهاب، وإيجاد حلّ للأزمة السورية، حيث تتهم موسكو، واشنطن بدعم فصائل المعارضة المسلحة التي ترتكب انتهاكات بحق الشعب السوري، في حين تدعو واشنطن روسيا إلى التوقف عن دعم الحكومة السورية، وفي الوقت الذي أعلنت فيه موسكو، أنها تقترب مع واشنطن من الاتفاق على ترتيبات وقف إطلاق النار في سورية وإيجاد حلّ سياسي، حمّل البيت الأبيض موسكو مسؤولية التراجع عن بعض القضايا التي كان يُعتقد سابقاً أنها حسمت…
وفي الاتجاه الآخر هناك أطراف أخرى أكثر قناعة بالتنسيق مع الجانب الروسي في سبيل إيجاد حلّ للأزمة السورية بالتوازي مع العمل لمعاودة مفاوضات جنيف، وهنا لا بدّ من التأكيد بأنّ الحلّ السلمي بالمفهوم الأميركي يعني فرض الوصاية الأميركية على سورية وإقامة القواعد العسكرية فيها.
الأبرز من كلّ ذلك هو هبوط مكانة الرئيس أوباما على كافة المستويات الداخلية والإقليمية والعالمية، ونفور المجتمع الدولي المتصاعد من سياساته، خاصة بعد أن تكشّف للعالم أجمع تحالفه مع تنظيم داعش، والذي يمثل رأس الحربة التي يستخدمها أوباما لتخريب وتقسيم المنطقة بأكملها، ويتضح ذلك سواء في محاولته المستمرة لهدم الدولة السورية وتفتيتها، وإمداد المجموعات المسلحة بكافة فصائلها بمختلف الأسلحة والإمدادات، إضافة إلى تحالفه مع الجماعات المسلحة في ليبيا، ومساعدة داعش على أن تتمدّد شمالأ وجنوباً كي تكون خنجراً يطعن خاصرة مصر، والواضح من مُجمل العلاقة بين أوباما وتنظيم داعش، أنّ الطرفين يعملان في إطار تخطيط مشترك، من خلال مساعدة داعش وأخواتها على احتلال مدينة الرقة، ومن ثم تمكينها من اختراق المدن السورية، والأشدّ خطورة من كلّ هذا هو رفض أميركا الواضح لمجمل سياسات أردوغان وتشكّكها المتزايد في علاقات التحالف التي تربطه مع داعش.
في ساحات القتال، تتقدّم قوات الجيش السوري وحلفاؤها، بشكل مثير للإعجاب خاصة حول حلب، حتى بات جزءاً كبيراً من حلب وريفها تحت سيطرتها، وقطع طريق الإمدادات عن المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة، كما يتمّ توسيع الهجمات بالقرب من منطقة الراموسة جنوب المدينة، وذلك بعد طرد مسلحي «فتح الشام» من العديد من المناطق الاستراتيجية في ريف حلب الجنوبي، لتوفر ربط القوات السورية وتمكنها من المضيّ قدماً إلى معاقل المجموعات المسلحة في المدينة، الأمر الذي يعدّ تحوّلاً نوعياً هاماً في ديناميات الحرب السورية، خاصة بعد أن حرّر الجيش الكليات العسكرية جنوب غرب حلب بالكامل، كما استطاع الجيش السوري ومن خلفه محور المقاومة أن يفرض قواعد في ميدان السياسة المُرتكِز على نجاحات الميدان العسكرية التي باتت مُتلاحقة، وانطلاقاً من ذلك هناك أكثر من معطى إيجابي الى جانب الإنجازات العسكرية التي يحققها الجيش السوري، أولها، استمرار الضغط الروسي على الإدارة الاميركية للسير عملياً في الفصل بين جبهة النصرة وباقي المجموعات المسلحة، وثانيها، توقع حصول تغييرات جذرية في الموقف التركي تجاه الأزمة السورية، وثالثها، فشل الولايات المتحدة في إحداث تغييرات في الوضع الميداني وبروز تطورات ايجابية جديدة في الموقف الاوروبي خاصة بعد أن قامت وفود أوروبية بزيارة دمشق قبل عدة أيام.
في إطار ذلك يمكن تقييم النجاحات السورية، من خلال معيار القدرة على فرض قواعد السيادة السورية، وهو المعيار الذي يُبرز قدرة الدولة على البقاء كمرجعية لكافة الأطراف، الأمر الذي استطاع النظام الحفاظ عليه خلال فترة الأزمة، من خلال استعادته زمام المبادرة الميدانية العسكرية، بعد أن نجح في إبعاد مناطق نفوذه المركزية عن دائرة الاستهداف، وجعلها مُنطلق عملياته نحو المناطق الأخرى، حيث بات الجيش السوري المُسيطر الأكبر على كافة الأراضي بعد أن كانت تحت سيطرة المجموعات المتطرفة، خصوصاً بعد إسقاط معادلات المسلحين في الشمال، ومنعه إنشاء منطقة عازلة تُهدّد السيادة السورية، وبذلك لم يعد الحديث عن مستقبل السياسة الأميركية في المنطقة، بل بات الأمر يتعلق بكيفية خروج واشنطن من مآزقها بعد أن أكد الخبراء الدوليون أنّ أميركا لم تعد ضمن خارطة المنطقة مستقبلاً، لذلك أخذ حلفاء واشنطن على عاتقهم مسألة بروز الدور الروسي، وإمكانية وجوده كبديل عن الطرف الأميركي بعد أن سعت روسيا تطويق أميركا عبر حلفائها في المنطقة.
مجملاً… لقد نجح الجيش السوري في فرض نفسه بشكلٍ أكبر من خلال الأزمة التي افتعلتها واشنطن وحلفاؤها للقضاء عليه، لنجد أنّ وضعه اليوم، بات أقوى وأهمّ مما كان عليه خلال خمس سنوات، ومن خلفه انتصر محور المقاومة لتكون سورية، مُنعطفاً جديداً في المنطقة يُعزّز من دور سورية ويهدّد وجود أعدائها، وأنّ الإنجازات العسكرية الهامة التي تحققت في الأيام الأخيرة في حلب كفيلة بإقناع أميركا وأعوانها بأنّ خطتهم الخبيثة لن تمرّ ولن تمسّ وحدة سورية وسيادتها ولن يكون لها فيها قواعد عسكرية وهو ما أسقط كافة مشاريع واشنطن في التقسيم، خصوصاً بعد أن استطاعت سورية إزالة أوراق العديد من الأطراف، الساعية لفرض دويلاتٍ في الداخل السوري، وباختصار شديد يمكنني القول، إنّ الرئيس أوباما هُزم وانكسر في سورية.
khaym1979 yahoo.com