دي ميستورا يتطوّع لمرافقة عناصر «النصرة» من شرق حلب وموسكو ترحّب العونيون فكوا المقاطعة تسهيلاً للحريري وساروا بالتعيينات ملاقاة لبرّي
كتب المحرّر السياسي
بمثل ما تبدو العصا الغليظة الروسية أداة صالحة في السياسة، بدأت ملامح ثبات حزب الله عند خياره الرئاسي من جهة، وتوازن إدارته لتحالفاته من جهة أخرى، تؤتي ثمارها، فقد ظهرت موسكو متمكنة من إدارة كلّ عناصر المشهد المحيط بسورية والحرب فيها، مستعدة لكلّ الفرضيات والاحتمالات والخيارات، فقرارات بحجم الردود التي صدرت من موسكو على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لا تتخذ في ساعتها، بل هي مفردات في جعبة ديبلوماسبة جاهزة للتعامل مع الاحتمالات سبق أن تمّت تقييمها ومناقشتها وحسمها على البارد، ليتسنّى اللجوء إليها عند ظهور ما يستدعي وضعها على الطاولة في زمن ارتفاع الحرارة، حيث لم يكد يتداول الإعلام الأميركي تسريبات عن فرضية استهداف المطارات السورية بصواريخ أميركية مجنّحة حتى دخل الوزير لافروف مستثمراً وجود نظيره الفرنسي في زيارة لموسكو على خلفية ما يجري في سورية ليدخل في التفاصيل العسكرية لآلية عمل شبكات الـ»أس 300» والـ»أس 400» في التعامل مع أي هدف طائر، واستحالة الانتظار والتمييز بين هدف وآخر في ظروف مشابهة للتموضع الروسي في سورية، موصلة رسالة شديدة القسوة للأميركيين مفادها، لا تتحامقوا بالتفكير بأيّ خطوة متسرّعة، لأنها ستأخذكم إلى المواجهة معنا.
تزامُن الصلابة الروسية أمام حديث الأميركيين عن بدائل غير دبلوماسية، مع التقدّم الواسع للجيش السوري في شرق حلب، بغطاء ناري روسي نوعي ومكثف، سرعان ما أثمرا معاً مبادرة للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لقيت ترحيب لافروف، ودعوة روسية لانعقاد مجلس الأمن، وموسكو تنوي طرح قضيتين للبحث، كيفية التوفيق بين المشروع الفرنسي ومبادرة دي ميستورا، وكليهما يتضمّن إجراءات لوقف النار والشؤون الإنسانية، يجب تنسيقهما مع مفاعيل التفاهم الروسي الأميركي الذي لا يزال يشكل بنظر موسكو الإطار الأبعد مدى في التعامل مع كلّ هذه العناصر وربطها بالعملية السياسية وآليات تطبيق وقف النار ومراقبته، خصوصاً أنّ ما سبق وقالت موسكو إنه شرط لكلّ بحث في هذا الإطار بدأ يتحرك بالاتجاه الصحيح مع كلام دي ميستورا عن صيغة لإخراج عناصر النصرة من شرق حلب كمقدمة لوقف النار، مبدياً الاستعداد لمرافقة العناصر المنسحبين والذين اعترف دي ميستورا بوجودهم مقدّراً عددهم بألف مسلح.
أقلّ من عشرين يوماً من المواجهة الحاسمة جلبت الآخرين إلى الطبق الروسي في حلب، ومثلها نجح حزب الله في جعلها مقدمات لانفراجات في علاقات مثلث التيار الوطني الحر وتيار المستقبل ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، باعتباره المثلث المحوري في صناعة الاستحقاق الرئاسي، الذي ترى مصادر مقربة من حزب الله أنّ رؤيته لمساره تقترب من التحقق، بتحوّل خيار العماد ميشال عون الرئاسي خياراً أوحد على الطاولة، وفي المقابل جعل المسارات السياسية التي تهمّ تيار المستقبل والرئيس بري تلقى مرونة وتعاوناً من التيار الوطني الحر، ليترجم ذلك بمشاركة التيار في جلسة الحكومة التي تضمّنت تعيينات معلوم سلفاً أنّ الرئيس بري يراها امتحانا لـ «مونة» حزب الله على التيار، بمثل ما كانت المشاركة رسالة عونيّة للرئيس سعد الحريري بتسهيل مهمته بتسويق الخيار العوني رئاسياً، رغم التمديد للعماد جان قهوجي في قيادة الجيش.
الأسبوع المقبل أسبوع حريري يسبق الأسبوع العوني، ففي الأسبوع المقبل يفترض وفقاً للروزنامة التي تقول مصادر واسعة الإطلاع أنها ستحكم التحضير لجلسة الانتخاب نهاية الشهر الحالي، يجب أن يتوّج الحريري جولة زيارات واجتماعات تتضمّن لقاءات مع كلّ من النائب سليمان فرنجية والعماد عون والرئيس بري، يعلن بعده الحريري ترشيحه للعماد عون، الذي يبدأ أسبوعه السياسي بزيارته لعين التينة ولقائه الرئيس بري ويكمّله بزيارات أخرى لجنبلاط وجعجع وربما فرنجية أيضاً. وربما يفتتحه وفقاً لمصادر مقرّبة من الرابية بزيارة «بركة» لبكركي، وينتهي بوضوح مصير مشاريع قوانين الانتخاب، ومدى إمكان السير بإقرار أحدها في جلسة تشريعية في الخامس والعشرين من الشهر الحالي، ليتسنّى الذهاب بسلاسة إلى الجلسة الانتخابية في نهاية الشهر.
تبقى المفاجآت التي يمكن أن تحملها رسائل قوية من الخارج، والتي لا تتوقع المصادر حدوثها، أو تأثيرها سلباً، خصوصاً في ضوء التطورات الميدانية والسياسية المتعلقة بسورية لهذا الشهر.
جلسة حكومية بنصف مشاركة «التيار»
بنصف مشاركة أنقذ التيار الوطني الحر جلسة مجلس الوزراء أمس، بعد تعليق الجلسات لمدة أسبوعين وذلك انسجاماً مع الأجواء الإيجابية على صعيد رئاسة الجمهورية، وحضر وزير التربية الياس بو صعب ووزير الطاشناق أرتور نظاريان وغاب وزير الخارجية جبران باسيل ووزير السياحة ميشال فرعون ووزير الإعلام رمزي جريج، كما شارك وزيرا حزب الله محمد فنيش وحسين الحاج حسن ووزير المرده روني عريجة.
.. وسلة تعيينات
وتخللت الجلسة سجالات حادة بين بعض الوزراء دفعت بعضهم الى مغادرتها ليتم استدعاؤهم لاحقاً، وشهدت سلة من التعيينات، إذ ثبّت تعيين اللواء حاتم ملاك رئيساً للأركان وعيّن الدكتور فؤاد أيوب رئيساً للجامعة اللبنانية، وعبد الله أحمد مديراً عاماً لوزارة الشؤون الاجتماعية، وجدد للدكتور معين حمزة أميناً عاماً للمجلس الوطني للبحوث العلمية، في حين تقرّر التعويض عن كل صندوق تفاح سعة 20 كلغ بمبلغ قدره 5 آلاف ليرة والتعويض عن كل دونم مزروع بالقمح بمبلغ 120 الف ليرة.
وقال مصدر وزاري لـ «البناء» إن «الجلسة كانت منتجة بعكس الجلسات السابقة وحضور الوزيرين بو صعب ونظاريان بادرة إيجابية يبنى عليها في الجلسات المقبلة». وربطت المصادر بين «مشاركة وزراء التيار الوطني الحر بالتطورات الإيجابية في الملف الرئاسي»، موضحة بأن إقرار التعيينات أشبه بتسوية حصلت بين الرئيس نبيه بري والرئيس تمام سلام والتيار الوطني الحر لا سيما تعيين رئيس الجامعة اللبنانية والمجلس الوطني للبحوث». ونقلت المصادر «ارتياح رئيس الحكومة الى مآل الوضع الحكومي، آملاً أن تستمر هذه الأجواء في الجلسات المقبلة بهدف تفعيل العمل الحكومي».
وعلمت «البناء» أن مشادة كلامية حصلت بين الوزير بو صعب ووزير الاشغال غازي زعيتر حول بعض التعيينات العادية في وزارة الأشغال. وطرح بو صعب على المجلس تعيين فؤاد أيوب رئيساً للجامعة فصوّت على تعيينه ثم اقترح وزير الدفاع سمير مقبل تثبيت تعيين اللواء حاتم ملاك رئيساً للأركان في الجيش فوافق على ذلك». كما علمت «البناء» أنه بعد تعذر ايجاد المخرج القانوني لاستدعاء اللواء وليد سلمان من الاحتياط أبلغ رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط رئيس الحكومة موافقته على تعيين ملاك.
وقال سلام في معرض إطلاعه مجلس الوزراء على حيثيات زيارته الأخيرة الى نيويورك، إنه لمس «أن الأوضاع في المنطقة معقدة ومتعثرة ولا نزال بعيدين عن الحلول النهائية مما يستدعي بالتالي أن نحصن وطننا لبنان وأن نبعد تداعيات الأحداث الخارجية عنه». وبعد ان جدد دعوته الى الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، رأى سلام ان «في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد يفترض تحمل المسؤولية بشجاعة ووعي لتوفير مصائب اضافية على البلاد وهي ليست بحاجة الى مزيد منها»، مضيفا «آليت على نفسي أن أحيد مجلس الوزراء عن التجاذبات السياسية لا عن القضايا السياسية والوطنية حرصاً على عمل المجلس وصوناً له بما يمثل من مربع باق من الشرعية اللبنانية».
لا دخان أبيض من بيت الوسط
رئاسياً، لم يخرج الدخان الأبيض من بيت الوسط إيذاناً بإعلان ترشيح العماد ميشال عون، ما يدل على أن التسوية الرئاسية تحتاج الى مزيدٍ من الوقت لإنضاجها وتحصينها بتفاهمات وطنية تعبّد الطريق أمام الرئيس ولا تقيّده، وعقب اجتماعها برئاسة الرئيس سعد الحريري وحضور الرئيس فؤاد السنيورة، شدّدت كتلة المستقبل في بيان على «أهمية المشاورات التي يجريها الحريري داخلياً وخارجياً بما يؤمل منه أن يُسهم وبشكل جدي في تحريك الركود والجمود الذي أحاط بملف انتخابات رئاسة الجمهورية ولا سيما بعد مرور ما يقارب سنتين ونصفاً على الشغور في منصب الرئاسة الأولى، وذلك بسبب الموقف التعطيلي الجائر لحزب الله وحلفائه، الذي يفرضه على اللبنانيين وبشكل لا يتطابق مع النص الدستوري والنظام الديمقراطي البرلماني اللبناني». وأبدت الكتلة ترحيبها بالنداء الذي أصدره مجلس المطارنة الموارنة ولا سيما لجهة ضرورة الالتزام بالدستور وأحكامه وضرورة المسارعة الى انتخاب رئيس للجمهورية يكون جامعاً للبنانيين وقادراً على انجاز المصالحة الوطنية فيما بينهم طبقاً لأحكام الدستور ووثيقة اتفاق الطائف».
عشرة أيام حاسمة!
وتحدث مصدر بارز في التيار الوطني الحر عن عشرة ايام حاسمة في الملف الرئاسي، مرجحاً لـ «البناء» إعلان الحريري ترشيح عون رسمياً للرئاسة خلالها. وأوضح أن «المهلة التي حددها التيار للحريري لإعلان ترشيح العماد عون لا يعني أن الجنرال سيرفض أي مهلة إضافية يطلبها الحريري لتسوية بعض العقبات والعراقيل، فطالما الجدية موجودة لدى الحريري فلن نوصد الأبواب أمامه». وأكد المصدر أن «لقاء الحريري عون رهن التطورات»، وإذ لفت الى أن لا خلاف بين عين التينة والرابية، كشف أن «أقنية التواصل بين رئيس المجلس نبيه بري والعماد عون مفتوحة ولم تنقطع، لكن لن يعقد لقاء بينهما قبل إعلان الحريري رسيماً ترشيح عون».
سقوط العقد الخارجية…
وقالت مصادر مطلعة لـ «البناء» الى أن «زيارة الحريري كانت إيجابية لجهة المواقف من حراكه والعقد الخارجية بدأت تسقط الواحدة تلو الأخرى»، ولفتت الى أن «محور المقاومة في حلب باتجاه تسجيل انتصار حاسم سيقلب المعادلة رأساً على عقب في المنطقة وسيترك انعكاسات على لبنان، وتطورات حلب هي في صلب التحول الذي حصل بالنسبة لتقدم الحريري نحو ترشيح عون الذي أتى استباقاً للتحول المرتقب فيها».
واضافت أن «روسيا تخلت عن تحفظها حيال ترشيح عون وأبلغته منذ أيام عبر سفيرها في لبنان ألكسندر زاسبيكين بأنها لا تعارض وصوله الى سدة الرئاسة الاولى»، ورأت المصادر في «مشاركة وزراء التكتل في جلسة مجلس الوزراء أمس مؤشراً إيجابي على تقدم التسوية الرئاسية»، مضيفة: «هناك عقد داخلية يجري العمل على حلها، ويستكمل الحريري المشاورات مع بري وخطوط التواصل مفتوحة بين الجميع والتسوية تطبخ بأعصاب باردة وعلى نار حامية. وهناك حرص على إشراك الجميع في أي تفاهم ولن تؤثر بعض أصوات نواب المستقبل على قرار الحريري بترشيح عون».