تركيا في سورية والعراق: بين الهواجس والمصالح والطموحات

د. هدى رزق

عندما خاضت تركيا عمليتها العسكرية في 24 آب الماضي، في شمال سورية، التي سمّيت «درع الفرات» ضدّ «داعش»، لم تتكبّد خسائر تذكر في الأرواح. ورأى محللون عسكريون أن السبب يعود إلى سحب «داعش» أسلحته الثقيلة، قبل التقدم التركي وجمعه لمقاتليه في بلدات الباب ودبيك.

قدّمت واشنطن الدعم الجوي ولم تتدخل روسيا. ضغطت كلّ من واشنطن وموسكو على أنقرة، للسيطرة على المنطقة الحدودية ومنع تسلل «داعش» وجماعات أخرى، شرط أن يبقى التقدم التركي ضمن حدود معينة.

لكن تركيا صرحت أن العملية تهدف إلى منع الأكراد السوريين، الذين ينتمون إلى «حزب الاتحاد الديمقراطي» ووحدات الحماية الكردية، من اقتطاع منطقة حكم ذاتي للأكراد، في شمال سورية. لكن واشنطن لا تريد مواجهة بين القوات التركية والمقاتلين الأكراد وهي تحرص على عدم رؤية مواجهة تركية ـ كردية في سورية.

أما موسكو، فهي لا تريد مواجهة بين تركيا والنظام السوري. لم تعترض على توغل تركيا في سورية، شرط عدم مساعدتها المتمردين، الذين يقاتلون قوات النظام في حلب. فالولايات المتحدة وروسيا تريدان من تركيا أن تركز على «داعش» وليس تعقيد الوضع، من خلال ملاحقة «حزب الاتحاد الديمقراطي». كان لافتاً قول وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في كلمة ألقاها في 4 تشرين الأول/ أكتوبر، في اجتماع «صندوق مارشال الألمأني» في بروكسل، أنه يوجد في سورية ستة حروب بين القوى المختلفة: واحدة منها حرب بين الأكراد السوريين وتركيا. وجدد كيري دعوته موسكو لاستئناف وقف الأعمال العدائية، كي لا تتلاشى الآمال في إيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية.

لكن قوله حرب «الأكراد ضدّ تركيا»، عكس القلق العميق لدى واشنطن، من التطورات الجارية منذ أن شنّت القوات التركية عملية «درع الفرات»، عبر الحدود في شمال سورية.

فتركيا تسيطر، حالياً، على مساحة 1000 كلم مربع. وهي تهدف إلى الذهاب جنوباً لدفع «داعش» عن الحدود التركية ومنع «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي السوري، من ربط كانتون عفرين بكوباني.

هناك اعتراف من الولايات المتحدة بمخاوف أنقرة، التي تدور حول ضرورة منع ارتباط هذا الكانتون وتغيير التركيبة الديمغرافية في هذا الجزء من سورية، الذي من شأنه أن يزيد الوضع تعقيداً.

كذلك، يزيد اهتمام تركيا بالتقدم المتزايد لقوات النظام في حلب، الأمر الذي سيؤدّي إلى إضعاف «الجيش الحر» وانهيار المعارضة المسلحة، في معظم المدينة. إذ من المحتمل استعادة النظام لمدينة حلب واستهداف الجيش السوري إدلب وهي معقل مهمّ من معاقل المجموعات المسلحة.

تخشى تركيا أيضاً، أن يقود هذا الهجوم إلى تدفق جديد للاجئين باتجاه حدودها. وأن تصبح القوات التركية في مواجهة قوات النظام. الأمر الذي سيعقد الصراع السوري أكثر. هذا هو أيضا، أحد الأسباب التي تجعل تركيا تقوم بمبادرة لدى موسكو وواشنطن، لاستئناف المحادثات من أجل وقف الأعمال العدائية. وهذا حكماً، سيكون أحد الموضوعات الرئيسية التي ستناقش بين الرئيسين التركي والروسي، رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، خلال زيارة الأخير لتركيا، الأسبوع المقبل.

روسيا وتركيا تشاركان حالياً، في حوار عسكري رفيع المستوى، لا سيما بعد زيارة رئيس الأركان العامة الروسية، الجنرال فاليري غيراسيموف، إلى أنقرة، لإجراء محادثات يوم 15 أيلول/ سبتمبر الماضي، مع نظيره التركي خلوصي عكر. وخلال الاجتماع ذكر أن الجانبين اتفقا على آلية من شأنها منعهم من ارتكاب أخطاء بحق بعضهم.

على الصعيد الاقتصادي، زار وفد من الاتحاد التركي للغرف وتبادل السلع، موسكو، الأسبوع الماضي، لكسر الجليد وبدء «عهد جديد» في العلاقات الاقتصادية.

لا شك أن المصالحة، سمحت للقوات التركية بدخول سورية وأخذ منطقة جرابلس واعزار في الغرب. والتوجه للجنوب نحو الباب، من دون أيّ اعتراض من موسكو. في المقابل، لم تقدم تركيا مساعدة للقوات المعارضة في حلب.

تكمن الأهمية اليوم، بالنسبة إلى أنقرة، بتأمين المنطقة على طول حدودها والتحرك جنوباً، باتجاه الباب.

تقول تركيا إنها تدعم سلامة سورية الإقليمية، لمنع التهديدات لأمنها. لكن من يمكنه أن يضمن هذا الأمر، سوى الدولة السورية؟ لذلك، يجزم البعض بأن تركيا أخطأت في سياستها السورية. ترى أنقرة، أن الخروج من سورية ليس سهلاً، فهي دخلت المعركة، وسيكون عليها أن تنظر في العواقب على المدى الطويل. وهذا يتطلب أيضاً، تعاوناً وثيقاً مع حلفائها وتعاونا سياسيا مع موسكو، التي تقف إلى جأنب الرئيس الأسد.

سيكون على تركيا التصرف وفقاً لقدراتها الحقيقية وانتهاج سياسات واقعية. من المحتمل أن يؤدّي بها التهوّر إلى مستنقع، حذرت منه جميع الأطراف السياسية، لا سيما بعد تصاعد التوتر بينها وبين العراق، الأمر الذي يهدّد بتعطيل الحملة، التي طال انتظارها، ضدّ «داعش» في الموصل. وحذر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، من «النزاع الإقليمي في ظلّ استمرار وجود القوات التركية في شمال العراق».

تصرّ أنقرة، التي تنشر قواتها في بعشيقة، على أنها ترمي إلى مكافحة «داعش» و«حزب العمال الكردستاني»، لكن هناك تصاعدا للقلق بشأن مواجهة محتملة بين القوات التركية والوحدات الشعبية العراقية والحشد الشعبي.

وكان أردوغان، أثار الحساسيات العراقية في وقت سابق، عندما قال لقناة إخبارية إماراتية، إنه بعد تحرير الموصل، مركز محافظة نينوى، يحق فقط، للسنة العرب والتركمان والأكراد البقاء في المدينة، من دون الشيعة! ما أثار حفيظة الحكومة والبرلمان العراقيين. طالب البرلمان العراقي القوات التركية بالأنسحاب من بلاده فوراً، في الوقت عينه، عارضت الولايات المتحدة مشاركة تركيا والحشد الشعبي، في حملة الموصل. ما يدلّ على ابتزاز أميركي للعراق بواسطة تركيا. ايّ مشاركة الحشد مقابل مشاركة تركيا.

وفيما تقول تركيا، إن تواجد القوات الخاصة في بعشيقة، هو لحماية أفراد الجيش التركي، الذين يقومون بتدريب القوات العربية السنية، الموالية لأثيل النجيفي، محافظ نينوى السابق. تتوقع أنها ستساعد في ترتيب وضع الموصل، بعد أن يحرّرها المقاتلون العرب.

تركيا قلقة أيضاً، من «حزب العمال الكردستاني» في سنجار، المجاورة للعراق، فـ»حزب العمال الكردستاني» قدم المساعدة وأنقذ الازيديين من ذبح وشيك، من قبل، في آب 2014 على يد «داعش». و«حزب العمال الكردستاني»، منذ ذلك الحين وهو يساعد الازيديين على تشكيل وحدات عسكرية خاصة بهم، في المجالس المحلية هناك. وهو يحاول توسيع نفوذه في شمال العراق. ترى تركيا أن بغداد تشجع مثل هذه التحركات، في محاولة لتوجيه الازيديين بعيداً عن الأكراد العراقيين، الذين يدعون أن سنجار هي بلدهم.

كلّ هذا يترك واشنطن عالقة بين المصالح المتنافسة بين العراقيين والأتراك والأكراد، فجميعهم حلفاء في المعركة ضدّ «داعش». تبدو جهودها للتوفيق بين تركيا والعراق قد باءت بالفشل، بعد سلسلة من الاجتماعات عقدت الصيف الفائت، بين رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان ومستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض ومبعوث الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في التحالف لمكافحة «داعش»، بريت ماكجورك. عقدوا اتفاقاً مبدئياً، تسحب تركيا بموجبه قواتها من بعشيقة، بعد أن يستقرّ الموصل. لا تبدو الامور آيلة إلى الحرب، لكن إلى خلاف سياسي عميق، لن يحله مجلس الأمن الدولي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى