الاستعمار «الإسرائيلي» الجديد وصناعة الحكام والقادة
أسامة العرب
في الخمسينيات كتب بن غوريون في يومياته الخاصة في 19 تشرين الأول 1956: «المخطط العام للشرق هو: إطاحة مصر، وتقسيم الأردن، ومن ثم نقل الفلسطينيين إلى جزء منه بمساعدة مالية أميركية، وتقليص حدود لبنان إلى المتصرفية». وفي 22 تشرين الثاني 1956 قال: «سوف ننطلق من شق الأراضي اللبنانية وإقامة المتصرفية، ومن ثم سنقسّم المنطقة»، ولاحقاً عرض بن غوريون مشروعه الكبير هذا أمام مؤتمر وصفه المؤرخ «الإسرائيلي» أفي شلاييم بأشهر المؤتمرات العسكرية في التاريخ الحديث، حيث عُقد في فيلا خاصة في سيفر في الضاحية الباريسية برئاسة رئيس الحكومة الفرنسي غي موليه، بالإضافة إلى موشي ديان وحلفائهما، وشرح بن غوريون خطته قائلاً: «سوف نطيح مصر ونقطّع الأردن، لأنها الدولة التي ليس لها حق في الوجود برأينا، وسيتمّ ترحيل الفلسطينيين إلى الجزء الشرقي من الأردن بواسطة تمويل أميركي، أما الجزء الغربي منه فسنضمّه إلى «إسرائيل»، ولبنان سنقلّص حدوده حتى يصبح المتصرفية من جديد».
وعموماً، فقد كانت سياسات «إسرائيل» الخارجية تسعى دوماً إلى تقسيم الشرق الأوسط العربي والإسلامي، لإحلال مكانه «شرق أوسط صهيوني»، متعدد الموزاييك من الأقليات، ومن خلال هذه الأقليات بالذات ستفرض «إسرائيل» سيطرتها الامبريالية على الجميع. ففي الثمانينيات نُشر مقال أكاديمي في دوريّة المنظمة الصهيونية الدوليّة «كيفونيم» تحت عنوان «استراتيجيا لـ«إسرائيل» في العام 1980» يعطي صورة واضحة عن المؤامرات «الإسرائيلية» التي كانت تدبّر حينها، خاصة أنّ كاتبه أوديد ينون كان موظفاً كبيراً في الخارجية «الإسرائيلية». وجاء في المقال: «إنّ التفتيت الكامل للبنان إلى خمس دويلات محدّدة مناطقيّاً يشكّل سابقة بالنسبة لكلّ العالم العربي، كما أنّ تفكيك سورية والعراق إلى دوائر صغيرة وفقاً للأقليات الإثنيّة والدينيّة مثل لبنان سوف يكون الهدف الأساسي لـ«إسرائيل» على المدى الطويل، أما الإضعاف العسكري لتلك الدول فسوف يكون الهدف على المدى القصير، ولاحقاً ستتفتت سورية إلى أربع دويلات، والعراق الغني بالنفط سيتقسّم إلى خمس دويلات، وشبه الجزيرة العربية بأكملها سوف تكون مرشحاً طبيعياً للتفكيك. إلا أنّ سياسة «إسرائيل» في زمن الحرب أو السلم يجب أن تعمل بقوّة من أجل إلغاء الأردن».
ولا أحد ينسى آنذاك كيف روّج «الإسرائيليون» بالسابق لشائعات تقول بأنّ الدولة اللبنانية ضعيفة لدرجة لا تسمح لها بالإمساك بزمام الأمور، ومن ثم قاموا باحتلال الجنوب اللبناني وعيّنوا حُكاماً وقادة له، ساعين في الوقت عينه لتشكيل شبكة عملاء وميليشيات تعمل مباشرةً تحت سلطتهم على غرار ما فعل آرييل شارون في لجان القرى في بعض الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن ثم على طريقة شارون لاحقاً، انتهت «إسرائيل» إلى الاستناد بشكل أساسي على المجرمين المحليين من القتلة وتجار المخدرات والمنحرفين وأرعبوا تلك المناطق طوال سنوات.
أما اليوم، فإنّ المشروع «الإسرائيلي» يتجه نحو تعميم تجربة جنوب لبنان على الشرق الأوسط برمّته، بحيث يصبح «الإسرائيلي» شريكاً أساسياً باستعماره، وبتعيين قادته وحكامه وسياسيّيه، على أن يحظى بحصة وازنة من مغانمه النفطية. فـ»إسرائيل» مذ أن نشات كمكسب استراتيجي للغرب كانت لها غاية واحدة، هي أن تبقي المنطقة مشتعلة متناحرة مقسّمة بغية تسهيل عملية نهب مواردها وثرواتها، وما أدلّ على ذلك سوى ما ذكرته الصحف «الإسرائيلية» عن قول مناحيم بيغن لوزير الخارجية الأميركي الأسبق ألكسندر هيغ عندما التقى به في نيسان 1981: «ما حاجتكم إلى قوات خاصة بالمنطقة بوجود «إسرائيل»، فنحن كلّ شيء في الشرق الأوسط، ونستطيع أن نصل إلى أيّ مكان خلال ساعات، فما عليكم سوى أن تُشيروا». وبالتالي فإنّ مبرّر قيام «إسرائيل» في قلب الشرق الأوسط هو لتأدية دورها الوظيفي الذي أناطها به الغرب عامةً والولايات المتحدة الأميركية خاصة، فهم سعوا أصلاً لخلقها كي تكون هي الوكيلة الحصرية لمكتسباتهم الاستعمارية، لا أكثر ولا أقلّ. ولهذا، تمّ تزويد يهود الشتات بأجود أنواع الطائرات الحربية والصواريخ حينها، ناهيك عن مليارات الدولارات التي كانت وما تزال تتدفق عليهم كي يبيدوا شعوبنا.
وما يؤكد ذلك، أنه وبغضّ النظر عن الدعاية الرسمية الغربية ضدّ انتشار الأسلحة النوورية، كانت فرنسا أوّل من تعهّد ببناء مفاعل مستعمرة ديمونا، كما بقي هذا الاتفاق طيّ الكتمان حتى عام 1960، حيث اعترف بن غوريون بذلك في 21 كانون الأول 1960. ومن ثم أمدّت الولايات المتحدة الأميركية «إسرائيل» بالتكنولوجيا النووية والخبرة العلمية تحت عنوان «التعاون الذرّي من أجل السلام»، حيث كان رئيس بعثات وكالة الاستخبارات الأميركية آنذاك جون هون يقول: «ينبغي على «إسرائيل» أن تعتبر بأنّ مجرد وجود إمكانية إنتاج سلاح نووي لدى دولة أخرى في الشرق الأوسط يشكل خطراً على أمنها ووجودها، فـ»إسرائيل» يجب أن تكون وتبقى الدولة الوحيدة بالمنطقة ذات الامتياز النووي». وهكذا يتضح لنا بأنّ «إسرائيل» هي جزء من اللعبة الاستعمارية للمنطقة، وبأنها مصلحة أميركية تأخذ دوماً دور الشريك، ولهذا كان هنري كيسنجر يقول: «مصالح الولايات المتحدة بالشرق الأوسط مرتبطة ارتباطاً جوهرياً بوجود «إسرائيل»، فعندما تكون «إسرائيل» قوية تكون مصالح الولايات المتحدة بخير».
أما اليوم، فقد كشفت الصحف «الإسرائيلية» عن وجود مخطط «إسرائيلي» جديد يقضي بإقرار قانون بضمّ «القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وكافة الأراضي العربية المحتلة عام 1967» إلى «إسرائيل»، على أن يتزامن ذلك مع إقرار «قانون يهودية الدولة وحق العودة اليهودي» بهدف دعوة يهود الشتات من جديد لاستيطان مزيد من أراضينا. وبالتالي، فمخطئ كثيراً كلّ من يظن بأنّ المشروع «الإسرائيلي» التوسعي قد انتهى، وما أدلّ على ذلك سوى تصريحات بن غوريون التي كان يكرّرها دوماً: «ليفهم الجميع بأنّ «إسرائيل» قامت عن طريق الحرب، وسوف لن ترضى بالحدود التي وصلت إليها أبداً، وسوف تمتدّ امبرطوريتنا «الإسرائيلية» من الفرات إلى النيل».
وبعد استعراض كلّ ما تقدّم، فإننا نتساءل: لماذا يجوز لدولة الاحتلال أن تمتلك قنابل نووية فيما ذلك محظورٌ علينا دولياً؟ ولماذا تتطابق دوماً المخططات «الإسرائيلية» والأميركية التي تقسّم منطقتنا على أسس طائفية ومذهبية وإثنية؟ ولماذا تجاهر أميركا دوماً بأنها تسعى لضمان تفوق «إسرائيل» عسكرياً علينا؟ ولماذا تعلو مؤخراً صيحات مسؤوليها موحيةً بأنّ القدس موحّدة سوف تصبح مستقبلاً عاصمة أبدية لـ«إسرائيل»؟
أما بعد، فلماذا باتت بعض دول منطقتنا تهرول للتطبيع المجاني مع العدو؟ أم أننا نسينا فلسطين والقدس والمسجد الأقصى وآلاف المعتقلين والمعتقلات و«الأطفال» في سجون الاحتلال؟ وماذا عن المشروع الترانسفيري اليهودي الجديد عبر بوابة «يهودية الدولة»؟ أم المشروع «الإسرائيلي» التوسعي الجديد عبر قضم «الضفة وغزة والقدس وكافة أراضينا العربية المحتلة»؟ وماذا أيضاً عن «مشروع صهينة الشرق الأوسط وصناعة حكامه وقادته»؟ أم أنّ البعض بات لا يقوى سوى على محور المقاومة وكلّ مَن يحاول أن يحرّر الأمة من أغلالها! وأخيراً، فعلى العالم أجمع أن يعلم بأنّ شعوبنا الأبيّة عاشقة للقتال والشهادة، وبأنها لن ترضى لا بالتطبيع ولا بالسياسات الانهزامية ولا بالتخلي عن قضايا أمتها المحقة، وبأنها مستمرة بمعركتها ضدّ الأعداء حتى تُحرِّر الأرض والإنسان معاً، وكما انتصرنا عليهم سابقاً في الجنوب المحتل، سننتصر عليهم مجدداً في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر والجولان وفلسطين والقدس بإذن الله، وسيندم المتخاذلون!
محام، نائب رئيس الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً