أوباما يحذّر من نزع فتيل التوتر مع روسيا

ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

كتب موقع «Consortium News»:

تقوم مجموعة من المسؤولين الاستخباريين السابقين، بتحذير الرئيس الأميركي باراك أوباما من خطورة سحب فتيل التوتر مع روسيا في سورية، وذلك بهدف كبح جماح شيطنة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتدعيماً لفكرة السيطرة المدنية للبيت الأبيض على البنتاغون.

وضمن هذا الإطار قامت هذه المجموعة المهنية المخضرمة بإعداد رسالة إلى الرئيس أوباما بعنوان «نحو الوقاية من حدوث الأسوأ في سورية»، تشرح فيها وجهة نظرها تلك: «نكتب إليك لتنبيهك، أسوةً بما فعلناه سابقاً مع سلفك الرئيس جورج دبليو بوش، وذلك قبل ستة أسابيع من الهجوم على العراق، من أن استمرار التصعيد الأميركي المباشر ضدّ دمشق والجيش السوري، سوف يؤدّي إلى تحوّل جذريّ ليس فقط في سورية، بل في المنطقة بكاملها».

وكانت الناطقة بِاسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاورف، قد حذّرت الأسبوع الماضي عبر التلفزيون الروسي «أولئك الذين يملي عليهم منطقهم تساؤلات حول أسباب حاجتنا إلى الدبلوماسية … في ظلّ وجود القوة … وطرق الحلّ السريع للمشكلات من خلال القوة. ونحن ندرك هذا المنطق جيداً فما من جديد في شأنه. إذ إنه ـ في العادة ـ ينتهي وفق معيار واحد فقط: حربٌ شاملة».

ونحن نأمل أيضاً أنها ليست المرّة التي نستمع فيها إلى مثل هذه البيانات ـ التي لا نشكّ مطلقاً في أنها معتمدة رسمياً. وكانت بعض التقارير المختصرة حول تعليقات زاخاروفا قد وردت في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية حول القصف الصاروخي لمستشفيات حلب، في حين تجاهلت صحيفة «نيويورك تايمز» كلياً تصريحات المتحدّثة بِاسم وزارة الخارجية.

وفي رأينا، فإن الخطأ الفادح سيكون في السماح لمستشاري الأمن القومي انتهاج سياسة «بوست» و«تايمز»، من خلال التقليل من أهمية تعليقات زاخاروفا وتصريحاتها. إذ إنّ الأحداث التي جرت خلال الأسابيع الماضية، حدت بالمسؤولين الروس إلى الحذر والتوجّس من نوايا وزير الخارجية الأميركي جون كيري. وبالفعل، فقد أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي ينتقي كلماته ويوزّعها بعناية شديدة، علانيةً عن هذا القلق وانعدام الثقة. ويشكّك بعض المسؤولين الروس في أن يكون كيري يمارس لعبة مزدوجةً: ويعتقد آخرون، أنه مهما كان السعي إلى تحقيق التقدّم من خلال الدبلوماسية، فإنه لا يمكن الوفاء بالالتزامات لأن البنتاغون يصرّ على إضعافها في كلّ مرة. ونحن نعتقد أن هذا الانعدام في الثقة من شأنه أن يشكل تحدياً يمكن تجاوزه، وأنه عند هذه المرحلة فقط، يمكننا تحقيق ذلك.

لا ينبغي أن يُعزى هذا إلى جنون العظمة من جانب الروس الذين يشككون في أن الهجمات الأميركية والأسترالية الجوية التي حصلت في أيلول الماضي، ضدّ قوات الجيش السوري والتي قتلت حينذاك 62 وجرحت أكثر من 100، أنها كانت مجرّد صدفة أو خطأ، بل أيضاً محاولة متعمّدة لإفشال الوقف الجزئي لإطلاق النار، الذي كان قد اتفق عليه كلّ من كيري ولافروف ـ بموافقة الرئيس بوتين، والذي كان قد دخل حيّز التنفيذ قبل أيام معدودة فقط.

وخلال تصريحات علنية لمسؤولين في البنتاغون، برزت الشكوك المفتوحة على نحو غير اعتياديّ في ما يتعلق بالجوانب الرئيسية لاتفاق كيري ـ لافروف، الذي كان قد نقل له نوايا الرئيس الروسي من أن كيري يقع تحت تأثير انتقادات جمّة وشرسة من الآلة العسكرية الأميركية. وأنه على رغم هذه الحقيقة، وكما هو الحال دائماً، فقد برزت تأكيدات على أن القائد الأعلى، الرئيس باراك أوباما قد دعم هذه الاتفاقية حلال لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في حين يبدو واضحاً أن القيادة العسكرية لا تلقي آذاناً صاغية للقائد العام.

تصريحات لافروف هذه، ليست خطابية البتّة. فها هو أيضاً ينتقد رئيس هيئة الأركان المشتركة جوزف دانفورد التي تعارض التعاون مع روسيا في القضايا الاستخبارية، فبعد عقد الاتفاقيات المبرمة، بناءً على أوامر مباشرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي باراك أوباما، والتي تقضي بضرورة وأهمية تبادل المعلومات الاستخبارية… وجدنا أنه من الصعب التعاون مع هؤلاء الشركاء.

ونادراً ما كانت تخرج الخلافات السياسية بين البيت الأبيض والبنتاغون إلى العلن، كما حدث الآن حول السياسة المتّبعة في سورية. ونحن نقترح على القارئ اقتناء كتاب جديد سوف يصدر عمّا قريب، ويحمل عنوان «القائد العام ـ الرئيس: ماك آرثر على حافة حرب نووية»، للمؤرخ براندس. وهو يتضمّن شهادة، أجري تنقيحها في وقت سابق، وتلقي الضوء على أسباب إقصاء الرئيس ترومان بطلَ الحرب العالمية الثانية الجنرال دوغلاس ماك آرثر من قيادة قوات الأمم المتحدة في كوريا الجنوبية في نيسان عام 1951. ويشير أحد النقّاد، إلى أنّ هذا السرد يجعلنا نتساءل عن أهمية التحدّيات العسكرية في مقابل القيادة المدنية التي ما زلنا ندفع تبعات نتائجها إلى اليوم. وقد يجد قارئنا في هذا الكتاب الجديد فائدة تُرجى أكثر ممّا وجد في كتاب «فريق من المنافسين».

إن الطريق إلى مزيد من المفاوضات لا يزال غير واضح تماماً. ففي الأيام الحالية، يؤكد المسؤولون في وزارتَي الخارجية والدفاع الروسيتين، وكذا الناطق بِاسم الرئيس بوتين، أن هذا الأخير قد جاهد في تجنّب إغلاق الباب، ونحن ننظر إلى هذه المبادرة على أنها إشارةٌ جيّدة إلى أن الوزير كيري كان ينسق هاتفياً مع نظيره الروسي لافروف. وعلى أن الروس لطالما أكدوا على رغبة موسكو المستمرة احترام الاتفاقيات المسبقة في شأن سورية.

كما أن روسيا ـ من وجهة نظر الكرملين ـ متمرّسة في اللعب أكثر من الولايات المتحدة. فالآلاف من المنشقّين الروس الإرهابيين وجدوا طريقهم إلى سورية، حيث تسلّحوا، تموّلوا واكتسبوا خبرةً في شنّ عمليات الهجوم العنيفة. لذا، هناك تفهّم واضح لقلق موسكو حيال هذا التهديد الذي سيشكله هؤلاء عند العودة إلى الديار. وإضافة إلى ذلك، فإنه من المفترض أن يخضع الرئيس بوتين للنوع ذاته من الضغوط التي يواجهها نظيره الأميركي من قبل الآلة العسكرية، في محاولة للتخلّص من الفوضى السورية، لمرّة واحدة وإلى الأبد، بغضّ النظر عن كيفية تعتيم آفاق الحلول العسكرية لأيّ من الجانبين في سورية.

ونحن ندرك جيداً أن الكثيرين في الكونغرس والمنتمين إلى التيارات المختلفة في وسائل الإعلام، يطالبون العودة إلى ما كان سابقاً، وإلى استجابة الفريقين علناً أو سرّاً إلى المزيد من العنف في سورية. فبين سطور كتاب «واشنطن: قواعد اللعبة التي تمارسها»، تطالعنا مقابلات أُجريت مع جيفري غولدبرغ الكاتب في «آتلانتك»، يتحدّث فيها ساخراً عن الفِخاخ التمن المحتمل أن تُنصب والتي تؤدّي إلى قرارات سيئة، ناهيك عن ذكر مميزات «الطاقم الغبيّ».

وكان غولدبيرغ قد كتب أننا أصبحنا نشعر وكأن البنتاغون يعمل على «التشويش» حيال زيادة عديد القوات في أفغانستان قبل سبع سنوات، والأمر عينه يحصل الآن في سورية منذ نحو ثلاث سنوات، وذلك قبل إقناع الرئيس الروسي بوتين سورية، بضرورة التخلّص من أسلحتها النووية المدمّرة. إذ يبدو أن هذه المقاربة تفعل فعلها وأنه يجب تجربتها مجدداً الآن، خصوصاً وأنها قد بدأت تشعر بالحاجة إلى ذلك مرةً أخرى.

وبالمناسبة، فإنه سيكون من المفيد جداً الاتجاه نحو هذه الغاية إذا كان لدى أحد من العاملين معرفة بتيارات وسائل الإعلام المختلفة للتخفيف من حدّة هذه التصرفات والتصريحات الصبيانية السيئة والهادفة إلى تشويه سمعة الرئيس بوتين وشخصيته، والتي تبدو غير مبرّر في أماكن كثيرة.

سوف يوفّر الحوار المباشر مع الرئيس الروسي بوتين الفرصة الأفضل لضمان نهايته، أخيراً، منعاً لبلوغ تشويش غير مرغوب فيه. ونحن نؤمن أن جون كيري كان محقاً في التركيز على التعقيد المخيف للفوضى الحاصلة في سورية وسط هذه المصالح المتنافسة بين الفصائل المختلفة. وفي الوقت عينه، فإنه قد قام فعلاً بالكثير من الأعمال التمهيدية اللازمة، حيث وُجد أن لافروف كان ـ في الجزء الأكبر ـ منها الشريك الأفضل.

ومع ذلك، وفي ضوء هذه القضايا الروسية العالقة ـ وليست فقط الروسية ـ فإن الشكوك التي تحوم حول مدى دعم وزير الخارجية، تجعلنا نؤمن أن النقاشات قد تأتي في أعلى مستوياتها كوسيلة لمنع المتهوّرين على جانبي المخاطرة هذا النوع من المواجهة المسلّحة التي لا يريدها أحد.

ومع ذلك، فإننا نطالبك أيها الوزير بدعوة الرئيس بوتين إلى لقاء معك في مكان ملائم تتفقان عليه، بهدف العمل على وضع الأمور في نصابها ومنع حدوث الأسوأ للشعب السوري.

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، قدّم ونستون تشرشل ملاحظة، تنطبق أيضاً على القرن الحادي والعشرين الذي نعيشه الآن: «أن نجادل ونجادل ونجادل، أفضل من أن نحارب ونحارب ونحارب».

جاء ما سبق ذكره في مذكرة وُجّهت إلى الرئيس جورج بوش في معرض انتقاده لكولن باول في الأمم المتحدة في 5 شباط عام 2003، وقد انتهى كبار الشخصيات إلى قول الكلمات التالية: «بعد مراقبة وزير الخارجية كولن باول اليوم، بتنا مقتنعين بأنكم سوف تعملون على أداء مهامكم بشكل أفضل لو كان هناك متسع من الوقت للنقاش… وفي ما وراء هذه الجماعة من المستشارين العازمين بشكل واضح على دخول الحرب، لا نرى هناك أيّ سبب مقنع نعتقد أنه من المرجح أن تنتج عنه عواقب كارثية غير مقصودة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى