ما بين مجلس الأمن وحلب… الحلف الروسي – السوري يفرض نفسه
شارل أبي نادر
ما يحدث بالتوازي ما بين التقدّم الميداني للجيش العربي السوري ولحلفائه باتجاه عمق الأحياء الشرقية لمدينة حلب، والصمود والثبات الديبلوماسي الروسي – السوري المشترك في مجلس الأمن بمواجهة محاولات الإفلات الغربي من هزيمة مجموعاتهم الإرهابية المسلحة عبر تمرير مشروع قرار لإجهاض هذا التقدم في الميدان، يبدو أنّ الحلف الروسي – السوري يفرض نفسه وبقوة في مواجهة الإرهاب ومن ورائه جحافل الدول الداعمة له.
في حلب، الواضح أنها مسألة وقت لا أكثر ويستكمل الجيش العربي السوري سيطرته بالكامل، حيث إنّ المجموعات المسلحة فقدت المبادرة من كامل اتجاهات تقدّم الجيش المذكور باتجاه عمق أماكن سيطرتها الأخيرة في المدينة، والذي يؤخر استكمال هذه السيطرة بسرعة هو وجود المدنيين وحرص الجيش العربي السوري على سلامتهم، في الوقت الذي يستعملهم المسلحون دروعاً بشرية لتأخير هذا التقدم ولاستغلال الوقت بانتظار مخرج ما تعمل عليه الدول الداعمة لهم.
أيضاً ما يؤكد فقدان المسلحين السيطرة والمبادرة، وبأنهم على طريق الاستسلام والانهيار، هو هذا الغليان الدولي في طرح مخارج غير واقعية وفيها الكثير من الانحياز للإرهابيين بطريقة فاضحة ومكشوفة، فمشروع القرار الفرنسي الاسباني المشترك الأخير حول وقف إطلاق النار وحظر الطيران السوري والروسي في أجواء حلب وأريافها هو أكبر دليل على هذه الطروحات الملغومة، كما أنّ طروحات دي ميستورا المشبوهة حول إيجاد مخرج لبعض المسلحين من أحياء حلب الشرقية وبعدد أقلّ بكثير من المتواجد وباعترافه السابق شخصياً، وطروحات بعض الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا تصبّ جميعها في خانة الإفلاس والضياع والخوف والخشية من خسارتهم جميعاً لحلب، وكأنها مدينة فرنسية أو أميركية ويحاولون إبعاد الجيش العربي السوري عنها، وكأنها ليست إحدى أهمّ مدن سورية على الإطلاق.
هذه الغيرة من الدول الأبواق للولايات المتحدة الأميركية، والتي لم نكن نسمع طروحاتها ومشاريع قراراتها، عندما كان المسلحون وبدعم واسع وفعّال منها، يتقدّمون في بعض مواقع ريف حلب الجنوبي الغربي، وقد غابت حينها مبادراتهم ومشاريعهم بالكامل ليعودوا اليوم ويدخلوا من الباب الإنساني، وكأنهم بدعمهم الدائم للإرهابيين يمارسون إنسانيتهم وحرصهم على الشعب السوري، والذي ساهموا بمغامراتهم وبمؤامراتهم عليه في تهجيره وقتله وتدمير مدنه وقراه تنفيذاً لمشروع ضرب الدولة السورية وتغيير النظام واستبداله بنظام مطواع عميل ينفذ لهم ما يريدونه وما تريده «إسرائيل» وحليفتها الوفية المملكة العربية السعودية.
بموازاة هذا التقدّم السوري في الميدان الحلبي وهذا الحراك الثابت الروسي – السوري الديبلوماسي بمواجهة التحالف الدولي المضادّ في مجلس الأمن، جاء نشر منظومة الصواريخ الروسية اس 300 على الأراضي السورية في شمالها ما بين حميميم وطرطوس، أو في مواقع أخرى بقيت سرية لأسباب عسكرية روسية خاصة، ليرفع منسوب التوتر والقلق لدى هذا التحالف ولدى «إسرائيل» معه، وحيث تؤمّن هذه المنظومة الحماية للنقاط الاستراتيجية والحيوية للجيش العربي السوري وللوحدات الروسية في سورية، رأت الولايات المتحدة الأميركية إنّ هذه المنظومة ستقف حتماً حجر عثرة في مواجهة مخطط خفي لديها، تسعى من خلاله لتنفيذ اعتداء بواسطة صواريخ كروز استراتيجية أو ما يماثلها من صواريخ باليستية متطوّرة من نقاط بعيدة من الجو أو من البحر على الأهداف الاستراتيجية السورية المذكورة، ومنها على المطارات العسكرية، لتعزل فعالية وتأثير القاذفات السورية في المعركة، وتكون بذلك قد حصلت على النتائج التي توخّتها من مشروع القرار الذي أجهضته روسيا والذي كان يهدف إلى فرض حظر جوي في الشمال السوري يطال بالدرجة الأولى القاذفات الروسية والسورية.
وأخيراً… وبمعزل عما ستؤول اليه الضغوط أو المحاولات الدولية لفضّ الاشتباك الروسي الأميركي حول سورية، وخاصة حول مدينة حلب، سيبقى من غير المنطقي أو الواقعي ان يتخلى الجيش العربي السوري الآن عن النقاط الميدانية الإيجابية التي امتلكها، أو التي هو الآن على الطريق لأن يمتلكها في مواجهة المسلحين داخل أحياء حلب الشرقية، وذلك ايضاً بمعزل عن اية مفاوضات أو اية مشاريع تسوية أو اتفاق حتى ولو وافق الطرف الآخر، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، على إعادة السير ببنود الاتفاق الأخير مع روسيا حول نقاط الهدنة والتسوية وفصل المسلحين عن الارهابيين. فلا يمكن ترك ثغرة حلب بيد المجموعات المسلحة، إرهابية أو شبه إرهابية أو معتدلة ولا حتى بيد الدول الداعمة لهؤلاء، لانّ في ذلك ثغرات ونقاطاً سلبية سوف يعاودون استغلالها للضغط وللابتزاز كما حصل ويحصل دائماً، ولاحقاً، وبعد استكمال السيطرة وانسحاب المسلحين أو استسلامهم، حينها ربما يكون للمفاوضات أطر معينة ونقاط يمكن أن تبحث من خلال فتح باب التسوية استناداً لما اتفق عليه سابقاً في جنيف بموضوع أساسي هو انّ الشعب السوري هو وحده الذي يحدّد ويقرّر مصير الدولة والصلاحيات والسلطات الرسمية من خلال انتخابات أو استفتاءات بإشراف جهات موثوقة من الجميع، وليس من يقرّر ذلك سفير من هنا أو وزير خارجية من هناك أو مندوب دولي أو إقليمي أو ما شابه.
عميد متقاعد