حرب تشرين.. والربيع العربي
أ. يعقوب مراد
منذ بداية ما يُسمى بالربيع العربي، والسؤال يتردد باستمرار:
«هل ثمة علاقة بين حرب تشرين وما يُسمّى الربيع العربي»؟!..
للإجابة على هذا السؤال، لا بدّ أن نعرف تداعيات هذه الحرب على العدو الصهيوني. التداعيات التي تؤكد بأن الربيع العربي ليس إلا ربيعاً عبرياً بامتياز..
إذاً.. لنلقِ نظرة سريعة.
كثيرون كانوا يعتقدون بأن حرب تشرين كانت مجرد حرب، مثلها مثل أي حربٍ حدثت أو قد تحدث في يوم ما، ولكن الحقيقة أن حرب تشرين لم تكُ مجرد حربٍ، بل كانت حرب عربية متميزة قد لا تتكرر أبداً، ولأسبابٍ منها:
أولاً: لأول مرة في تاريخ العرب الحديث يستطيع «الرئيس حافظ الاسد» أن يوحد العرب بعد سنوات قليلة من تولِّيه رئاسة الجمهورية العربية السورية..
ثانياً: الرئيس «الاسد» تمكن من اختراق الاتفاق السعودي الأميركي، المتضمن عدم وقوف السعودية ضد إسرائيل وعدم إيقاف النفط مقابل حماية أميركا للعائلة المالكة في السعودية. رغم ذلك، أقنع الرئيس الاسد الملك فيصل بالوقوف مع العرب وإيقاف ضخ النفط للدول التي تساند اسرائيل. وهذا ما حصل فعلاً..
ثالثاً: لأول مرة في التاريخ العربي يتوحد القرار السياسي والعسكري ويستخدم النفط العربي في مواجهة العدو الصهيوني.
رابعاً: لأول مرة في تاريخ العرب، الجيش العربي السوري يدحر العدو الصهيوني ويرفع العلم السوري فوق القنيطرة، ويعبر الجيش المصري قناة السويس ويرفع العلم المصري فوق سيناء ..
خامساً: لأول مرة تسقط اسطورة الجيش ـ الإسرائيلي ـ التي لا تقهر، وتفكر «غولدا مائير» بالانتحار وتكاد تنهار دولة إسرائيل لولا الجسر الجوي الأميركي .
كلّ هذا لم يعجب أميركا وحلفاءها، فأوعزت للطالب السعودي «فيصل بن مساعد بن عبد العزيز» الذي يدرس في أميركا. أوعزت له، بالسفر الى السعودية وقتل الملك فيصل في 25 آذار 1975.
أيضاً، قررت تمزيق الجيوش العربية وإشعال نار القتنة، وإذلال الرؤساء الذين وقفوا ضدها، وإقناع «السادات» باتفاق الاستسلام وتحييد الجيش المصري، ومن ثمّ باغتيال «السادات» وتنصيب صاحب أول طلعة جوية في حرب تشرين «حسني مبارك» رئيساً لمصر، ليكون عراباً لاتفاقيات السلام الموقعة، والتي تمَّت خلال إشعال حرب لبنان التي استمرت مرحلتها الأولى حتى اجتياح إسرائيل لها عام 1982.
تمَّ أيضاً، تشريد الفلسطينيين إلى بلاد مختلفة، وقيادة مقاومتهم الى تونس، ودخلت القوات العربية والجيش السوري الذي قدم وحده أكثر من عشرة آلاف شهيد من أجل إيقاف نزيف الدم اللبناني الذي انتهى باتفاق الطائف.. بعدها، تم إشعال جبهة العراق مع إيران، ومن ثم حرب العراق والكويت. الحرب التي انتهت باجتياح العراق من قِبَل قوات التحالف، وبإعدام الرئيس العراقي الأسبق الذي شارك بجيشه في حرب تشرين وهدّد إسرائيل وأطلق صواريخه عليها.
حاولت أميركا وحلفاؤها، تحريض أكراد سوريا، وحين فشلوا، اغتالوا الرئيس الحريري من أجل اتهام سوريا، وإخراج الجيش السوري من لبنان عام 2005 ..
تبدأ إسرائيل حربها على لبنان عام 2006، فتقف المقاومة وبمساعدة سوريا لها بالمرصاد ..
تشنُّ حربها على غزة، وتحاصر «عرفات» وتقتله، وتغتال الشيخ «أحمد ياسين» وغيره من رموز المقاومة الذين وقفوا ضدها، لتستعين بعدها، بمنظمة تدّعي بأنها غير حكومية اسمها:
BUSINESS FOR DIPLOMATIC ACTION
المنظمة التي تترأسها المؤسسات الاقتصادية الأميركية الضخمة في أميركا، ويسيطر على رأس مالها اليهود، والتي تهدف إلى تغيير أنظمة عربية قوية واستبدالها بأنظمة ضعيفة وميالة لتنفيذ الشرق الاوسط الكبير.
من هنا، بدأت بزرع أفكار التغيير بما يتلاءم مع مخططها، واعتماداً على التجاوزات والمشاكل الاقتصادية والأمنية والسياسية للعالم العربي، ما أدى للإطاحة برئيس تونس، ورئيس مصر، وبالاتفاق مع قادة الجيش والإخوان المسلمين، ومن خلال إغرائهم بتسلم السلطة.
هرب «بن علي» بطريقة مذلة، وتمَّ اقتياد الرئيس «مبارك» للمحكمة بطريقة مخزية، وقتل «القذافي» بطريقة جداً بشعة، وهرب رئيس اليمن بطريقة استسلام مهينة..
وها هم الآن يحاولون الإساءة لسمعة الجيش السوري والرئيس السوري «بشار الأسد» الذي لم يكن ليصمد كل هذا الوقت لولا شعبيته الكبيرة، وإيمان جيشه العقائدي..
إنه، ما جعلهم يلجأون لأسلوب الاغتيالات والتفجير، وتمكنوا من اغتيال أول مَن زرع علم الوطن على سفح جبل الشيخ. العميد «موراني» الذي استشهد بتفجير فرع المنطقة والجمارك، والذي ظلت «إسرائيل» تطارده طوال 30 عاماً كي تغتاله، لأنه رفع علم سورية فوق جبل الشيخ.. أيضاً، اغتيال أبو الصواريخ السورية العماد «راجحة» الذي كان يقف بصلابة وراء انتصار تموز.. الخ..
لكن، ها هو الربيع العبري يحقق حلمها وينفذ مخططها لإضعاف جيوش المنطقة التي حاربتها، وليس إصرارها على إقناع المعارضين بالعودة لرفع الأعلام السابقة، إلا لنسف كل فترة الرؤساء الذين وقفوا ضد «إسرائيل»، وضد وجودها في قلب العالم العربي
هل عرفتم الآن، ماهية العلاقة، بين حرب تشرين والربيع العبري؟
أتمنى أن نفهم وندرك قبل فوات الأوان، بأن الجيش العربي السوري، يخوض اليوم أعنف حروبه التي هي حرب الوجود العربي المقاوم أمام عدو يحاربنا بإعلامنا وسلاحنا ونفطنا ومالنا والخونة.. عدوٌّ، وحشد أكبر ائتلاف دولي وعربي لتسقط قلعة الصمود والتصدي
فهل نعطيه الفرصة أم نفوَّت عليه الفرصة؟..
إنه.. السؤال الأهم!
كاتب سوري مقيم في السويد