رخصة للقتل!

تناولت صحيفة «روسيسكايا غازيتا» الروسية قرار بريطانيا منح عسكرييها حصانة ومنع ملاحقتهم جنائياً مشيرة إلى وصف الخبراء القرار بأنه فضيحة.

وجاء في التقرير: قررت بريطانيا استثناء عسكرييها من الخضوع للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، ولم يجد الخبراء وصفاً لهذه المبادرة غير تعبير الفضيحة.

وتقترح السلطات البريطانية إلغاء العمل بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان بالنسبة إلى الجنود البريطانيين العاملين في المناطق الساخنة. ووفق رأي الخبراء، يعني هذا عدم محاسبة العسكريين وإفلاتهم من العقاب مهما اقترفوا من جرائم، الأمر الذي يذكّر بحقبة الاستعمار.

وقد نشرت صحيفة «غارديان» البريطانية مقتطفات من خطاب رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ووزير الدفاع مايكل فيلون في مؤتمر حزب المحافظين، والتي يؤكّدان فيها أنه خلال السنوات الماضية تشكلت صناعة مقاضاة متكاملة تقدَّم في إطارها الشكاوى ضدّ الجنود المشتركين في العمليات الحربية.

وجاء في خطاب ماي أن «قواتنا المسلّحة هي الأفضل في العالم. ونحن سنضع نهاية لرفع شكاوى ضدّ أفرادها بهذا الشكل الواسع».

وتستند الحكومة البريطانية في هذه المبادرة إلى مادة في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تتضمّن السماح بوقف سريان الاتفاقية بصورة موقتة في حال نشوب حرب أو في الحالات الطارئة.

من جانبهم، يقول الحقوقيون إن هذا تفسير حرّ، خصوصاً أنه حتى في هذه الحالات لم يلغِ أيّ طرف منع التعذيب وغير ذلك من انتهاكات حقوق الإنسان.

وليس غريباً معارضة لندن «القضايا البسيطة»، فمنذ عام 2004 كلّفتها مثل هذه القضايا التي رفعت إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان 100 مليون جنيه استرليني. كما كلّفت القضايا المرفوعة 326 قضية وزارة الدفاع البريطانية 20 مليون جنيه استرليني.

وإضافة إلى هذا، تدرس اللجنة الخاصة المشكلة عام 2010 أكثر من 1500 قضية في شأن الجرائم التي اقترفت في العراق. وتشمل هذه القضايا عمليات التعذيب والقتل. فمثلاً ثبت أن أربعة جنود كانوا السبب في موت طفل عراقي عام 2003، لأنهم رموه في الماء ومات غرقاً. كما ثبت لجوء الجنود البريطانيين إلى عمليات التعذيب في العراق، حتى أن المحكمة أصدرت عام 2011 حكمها في شأن موت المواطن العراقي بهاء موسى متأثراً بجراحه في السجن البريطاني في مدينة البصرة، نتيجة تعرّضه لـ93 إصابة جسدية.

وكانت الخارجية البريطانية قد أعلنت عام 2012 عن نيّتها الحدّ من اختصاص المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي «تتطاول» على التشريعات الوطنية. وكان رئيس الحكومة البريطانية السابق ديفيد كاميرون قد أعلن خلال أزمة اللاجئين أن المملكة المتحدة قد تنسحب نهائياً من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

في المقابل، اتهم المحامون في أوروبا البرلمان البريطاني بأنه يدافع عن «قوانين العصور الوسطى». واستناداً إلى المبادرة الجديدة للحكومة البريطانية، يتحدث المدافعون عن حقوق الإنسان، عن «ازدواجية المعايير» والعودة إلى عصر الاستعمار، حيث كانت الجرائم التي يقترفها الجنود البريطانيون تبقى من دون عقاب.

تقول مديرة منظمة «ليبيرتي» مارتا سبارير: المفارقة المريرة تكمن في أن حكومتنا خاضت الحرب في العراق وأفغانستان تحت شعار حقوق الإنسان، والآن تريد الانسحاب من الاتفاقية. وهذا يعني حماية بعض من لديهم ما يخفوه في وزارة الدفاع، ونحن نصبح منافقين في المحافل الدولية.

ويدعم هذه المخاوف عدد من المحاربين القدامى الذي عارضوا علناً فكرة رئيسة الحكومة، لأنهم يعتقدون أن انسحاب لندن قد يصبح مثالاً لباقي الدول.

تجدر الإشارة إلى أن الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وقّعت في 4 تشرين الثاني عام 1950، وبعد مضيّ ثلاث سنوات بدأ سريان مفعولها. وحالياً وقّعت هذه المعاهدة 47 دولة عضواً في مجلس أوروبا.

في عام 1922 كان خُمس سكان الكرة الأرضية تحت سلطة الإمبراطورية البريطانية التي كانت تسيطر على ربع مساحة كوكب الأرض. ويعترف المؤرخون بأن المناطق التي كانت تحت سيطرة بريطانيا كانت تشهد عمليات قتل جماعية وجوعاً وتُقام فيها معسكرات اعتقال. ومع ذلك لم تتحمل بريطانيا أيّ مسؤولية عن هذه الجرائم. ففي الهند مثلاً وفي نيسان عام 1919 أطلق جنود الامبراطورية النار على الجموع. وسجّل هذا الحادث في التاريخ على أنه قمع انتفاضة بوحشية. وقد جرى إطلاق النار على السكان المحتجين بأمر الجنرال ريجينالد داير، حيث استمر الجنود بإطلاق النار لغاية انتهاء الذخيرة منهم، وقد منحت الامبراطورية هذا الجنرال لقب البطل.

وقبل سنوات عدّة، رفع سكان كينيا دعوى قضائية ضدّ بريطانيا يطالبون فيها بدفع تعويضات بقيمة 200 مليون جنيه استرليني بسبب الوحشية التي قمعت فيه القوات البريطانية انتفاضة «ماو ماو» 1951/1960 ، التي ذهب ضحيتها بين 20 و100 ألف شخص. ولكن بريطانيا لم تولِ هذه الشكاوى أيّ اهتمام.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى