ماذا يعني إجماع الدوما الروسي؟

حميدي العبدالله

صوّت الدوما الروسي بالإجماع على مشروع الاتفاقية التي تجيز مرابطة قوات جوية روسية بصورة دائمة في سورية، وتحديداً في قاعدة حميميم. السؤال المطروح لماذا صوّت الدوما بالإجماع على الرغم من أنّ أحزاباً عديدة تشارك في الدوما إلى جانب الحزب الذي يتزعّمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأبرز هذه الأحزاب الحزبان الشيوعي والقومي الروسي.

لا شك أنّ الإجماع يعني أنّ الشعب الروسي يسعى ويطالب القيادة الروسية باستعادة مكانة روسيا الدولية التي كانت عليها، سواء في العهد القيصري أو العهد السوفياتي، وإعادة النظر بالسياسات التي اعتمدت في عقد التسعينات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، والتي حرمت روسيا من مكانتها الدولية، وحوّلتها من دولة عظمى إلى دولة إقليمية تابعة الولايات المتحدة.

من المعروف أنّ الأحزاب الروسية، مثل الحزب الشيوعي والحزب القومي كانت تعارض سياسة يلتسين، وترفض بشكل قاطع السياسات التي أضعفت روسيا، ولكن يلتسين كان بدوره يسعى إلى إضعاف أحزاب المعارضة ويمنعها من الوصول إلى سدة المسؤولية بما يؤهّلها لمراجعة السياسة التي وصفها بوتين لاحقاً بأنها «أكبر كارثة جيوسياسية تحلّ بروسيا»، عندما جاء بوتين إلى الرئاسة واعتمد سياسة مغايرة لسياسات يلتسين، شكلت هذه السياسة نقطة تقاطع مع أحزاب المعارضة، بمعنى أنّ حزب «الوحدة» الذي يتزعّمه الرئيس بوتين اعتمد سياسات هي ذاتها السياسات التي كانت تنادي بها أحزاب المعارضة، ولهذا توفرت أرضية مشتركة، وشكلت سورية، واحدة من القضايا التي ظهرت وجود هذه الأرضية السياسية المشتركة، لهذا لم يكن مفاجئاً على الإطلاق تصويت الدوما بالإجماع على معاهدة نشر القوة الجوية في سورية بصورة دائمة.

بات واضحاً أنّ سياسة بوتين في سورية لا تشكل عبئاً عليه ولا تضعف وجوده في الكرملين، بل إنها أقصر الطرق للحصول على شعبية إضافية، لا سيما إذا كانت هذه السياسة تقود إلى الوقوف في وجه التفرّد الأميركي، وردّ الاعتبار لمكانة روسيا الدولية.

تصويت الدوما بالإجماع يشجع الرئيس الروسي، أولاً على المضيّ بسياسته الحالية في سورية وعدم التراجع أمام الضغوط الأميركية والغربية، وتشجع بوتين ثانياً على الوقوف بحزم في وجه سياسات الغرب الذي يعارض عودة روسيا لممارسة دورها واستعادة مكانتها التي كانت عليه طيلة قرون طويلة في منطقة الأوراسيا.

طالما أنّ الشعب الروسي يمحض تأييده لسياسة الوقوف في وجه الولايات المتحدة والغرب، ولا سيما في سورية، فإنّ المتوقع أن تكون موسكو في وضع لا يمكن أن تقدّم أيّ تنازلات لا تحترم رؤيتها للعالم في حقبة ما بعد التفرّد الأميركي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى