في مجلس الأمن اشتدّت معركة اللسان… سورية ودولية العنوان!
د. محمد بكر
كباشٌ من عيار 24 قيراط ساد أجواء جلسة مجلس الأمن المنعقدة من أجل حلب، لم يكن مفاجئاً عدم اعتماد مشروعي القرارين الروسي والفرنسي، جلسةٌ ومع العلم المسبق للرؤوس العظمى الحامية أنّ أياً من المعروضين لن يمرّ، إنما كانت فقط لاستعراض العضلات السياسية وقوة الخطاب، قطرت وجوه المتخاصمين السمّ الزعاف، تفجر الغضب في الوجوه الأميركية والفرنسية والبريطانية، ماثيو رايكروفت المندوب اليريطاني كان أشدّ المنفعلين، لم يطفئ عدم شكره لرئيس المجلس فيتالي تشوركين هيجانه الذي بدا واضحاً وضوح الشمس، انسحابه أثناء كلمة الجعفري ربما أنقذ حياته فسلوك روسيا وقصفها لحلب الذي وجد فيهما باعثاً على الغثيان مطالباً وراجياً الجميع إيقافه، كان من الممكن أن يتطوّر لجلطة دماغية أو سكتة قلبية لو تابع جلسة المجلس لنهايتها، وبالتأكيد ليس حزناً وانتصاراً لأهالي حلب.
على عجل غادر إيرولت وزير الخارجية الفرنسي الذي ألقى كلمة بلاده القاعة، ليعقد مؤتمراً صحافياً، فالحمية واللهفة منقطعة النظير على حلب جعلتنا نعتقد لو لم ينطق الرجل بالفرنسية بأنه »حلبي الأصل«، هذه الغيرة الذي تهكّم عندها ربما أجيال حلبية لا زالت على قيد الحياة عاصرت حقبة الاحتلال الفرنسي وبات الصراخ الفرنسي اليوم مدوياً: أنقذوا حلب، غابت داعش كلياً عن خطابات خصوم موسكو، بدت الجلسة كحلبة ملاكمة سياسية، كان ينقصها فقط تبادل اللكمات، ليدرك من تابع الجلسة مدى تأصّل الاشتباك الدولي في الملف السوري، وأنّ أيّ توصيف عن ما بات يجري في سورية بأنه في إطار الثورة والتخلص من الديكتاتورية هو تغريد خارج السرب وضحالة في الطرح وليصدق تحليل وزير الخارجية الألماني بأنّ مرحلة الصراع اليوم بين روسيا وأميركا أخطر من مرحلة الحرب الباردة، إذ بدت روسيا عرابة التصدي الدولي لخصومها، تقف بقوة في حلبته لمواجهة الكباش مع جملة من الخصوم الدوليين، برأسٍ موغلة في الاشتعال والعناد.
تدرك موسكو تعقيدات المواجهة، لذلك استعدّت مسبقاً لإرسال منظومات دفاعية إضافية من إس 300 وردفها بإس 400 الموجود سابقاً في سورية، لمواجهة أيّ تصعيد أميركي مباشر أو غير مباشر، فهي تمضي في المعركة إلى نهايتها.
لا نعرف ماذا قصد إيرولت عندما قال في المؤتمر الصحافي بعد كلمته في مجلس الأمن إنّ بلاده ستواصل ما سماه بالنضال لدعم وإنقاذ الشعب السوري، وإنّ قرار روسيا لن يثنيهم عن تحمّل مسؤولياتهم، وكذلك لا يمكن التكهّن بانعكاسات ما قاله نائب المندوبة الأميركية عندما أكد أنّ روسيا تظن أننا سنمح لها بمواصلة سلوكها في سورية وأننا علينا جميعاً أن نبعث لها رسائل قوية من هنا، فهل سينسحب ذلك على استراتيجيات عسكرية جديدة أو وسائل دعم عسكري نوعية للمعارضة المسلحة في الميدان.
قبل سنة كتبنا مقالاً في »البناء« حمل عنوان: »بوتين يفصل.. أوباما يلبس«، تزامناً مع ما أعلنه كيري حينها من بريطانيا لجهة أنهم مستعدون للتفاوض مع الأسد، فهل الأسد مستعدّ لذلك، وطلب وقتها من موسكو دفع الأسد للتفاوض، واليوم يكتب عاموس هرئيل مقالاً في صحيفة هآرتس بعنوان: »في سورية بوتين يملي وواشنطن تنجز« إذ يقول هرئيل: »التراجيديا الفظيعة في حلب هي قضية واحدة لصراع دولي أكثر تعقيداً مركزه إدارة ظهر روسيا للسيطرة الدولية العليا المضعضعة لأميركا، والفترة الانتقالية المتبقية ليأتي رئيس جديد للولايات المتحدة ستمكن بوتين من المناورة بشكل أكبر في سورية«.
ربما لم يعد ممكناً اليوم وبعد الكباش الذي حدث في قاعة مجلس الأمن ما كان قد طُرح أميركياً من تفاوض مع الأسد، ويبدو أنّ الروسي حسم أمره في حلب إلى غير رجعة.
نتألّم فعلاً على حجم الدمار الذي ينتظر مدينة أبو فراس الحمداني، وكم من الدماء البريئة ستزهق، لكنها الحرب لم تنثر وروداً يوماً ولم تنشر استقراراً.
الكباش السياسي تطاول كثيراً في مجلس الأمن، وما علينا إلا الانتظار لمعرفة تفاصيل الميدان الذي يحمل الكثير وربما المفاجآت.
كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا.
Dr.mbkr83 gmail.com