«قوس قزح»… مهرجاناً ينثر ألوان التراث السوري في دمشق
آمنة ملحم
لم يكن حفل افتتاح مهرجان قوس قزح الثاني مجرّد حفل غنائي واستعراضي على خشبة دار الأوبرا في دمشق، بل أعاد ذاكرة الحضور إلى زمن الفنّ التراثيّ الجميل، حيث لكل محافظة سورية تراثها الموسيقي والغنائي والشعبي الغني الذي لطالما تغنّى أبناؤها به، وشكّل فسحة لهم للتعبير عن لهجاتهم وخصوصية محافظاتهم ومحبتهم لأرضهم.
لوحات غنائية استرجعت عبق ياسمين الشام ودفء حوران والسويداء والجولان، وأنفاس الحسكة والقامشلي، وآهات حلب ومواويلها. وكانت فرصة للقاء أبناء سورية بكل أطيافهم في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها ليكون المهرجان حقاً اسماً على مسمى كقوس القزح.
وفي كلمة لمنسق المهرجان والمشرف الفنّي فيه، أكد إدريس مراد أنّ «قوس قزح» لقاء لكلّ الألوان السورية من عرب وكرد وسريان وأرمن وشركس وآشوريين، ليبرهن للعالم التعايش الأخوي الذي يعيشه الشعب السوري.
ووجّه مراد شكره إلى وزارة الثقافة وإلى كلّ من ساهم في المشروع ليرى المهرجان النور على هذه الأرض التي تضمّ أجمل فسيفساء على وجه المعمورة.
ثلة من الأصوات الشبابية البارعة برفقة فرقة التخت الشرقي بقيادة الموسيقي نزيه أسعد أحيت الحفل، وكانت البداية مع يزن أبو شاش و«يا طيرة طيري»، «يا مال الشام»، و«يا شام يا أم الضفاير». أما الشابة سهير صالح فغنّت «غزالة غزالة»، ثمّ دمج الشاب سردا شريف بحنوّ صوته، ما بين الأغاني الكردية والعربية، لتعتلي الخشبة الشابة نهى عيسى بتراث الجولان والسويداء ودرعا مع أغاني: «حنّيت إيدي»، ويا مرتكي عَ السيف حبّك جارحني». وغنّى الشاب معاذ يوسف من تراث حلب «أول عشرة محبوبي»، «الأرصية»، «عَ الدلعونا». فيما غنّت الشابة سنا محمد «عَ الليادي الليادي»، و«عَ الماني»، و«يا غزيّل يا بو الهيبة». وكان مسك الختام مع الأغاني الفراتية مع الفنان عبد الوهاب الفراتي.
وبتوزيع موسيقيّ متقن للألحان السورية، ملأت الفرفة الموسيقية الصالة بهجة وطرباً مع إعطاء المساحة الموسيقية المناسبة لكل آلة موسيقية للتعبير عن هوية الموسيقى العربية. وفي الأمسية، وبعزف منفرد يسبق بعض الأغاني، دندن عازف البزق آلان عمران فكان لآلته حضورها الخاص. صوتها سحر وصداها عنبر يفوح في أرجاء البهو أينما حلّ.
كما أطرب العازف ماهر عامر الحضور بنفحات الناي التي اعتاد الجمهور ألقها معه بإتقانه والتصاق روحه به وعطر أنفاسه التي يبثها فيه. كما لم يقل حضور باقي الآلات الموسيقية ألقاً، فعلى العود أبدع فادي جهجاه، والقانون عمران عدرة، والتشيللو عماد مرسي، والكمان كل من جورج طنوس، والسموأل الشماط، وغطفان أدناوي، وعامر داكشلي، ومع الايقاع كان طلال غريب، ورواد جلول، وعلي الأحمد.
وتلا الوصلات الغنائية عرض مسرحي راقص قدمته فرقة «سورية للمسرح الراقص» بقيادة الفنان نورس برّو مع مجموعة من الراقصين المختلفين في الأعمار، فبرعوا بلوحات راقصة غنية بالدبكات الشعبية المتنوعة التي تزخر بها البيئات السورية بين الساحل والداخل وفي السهل والجبل، مروراً بالأرياف والمدن والبادية.
وفي تصريح أدلى به إلى «البناء»، أشار برّو إلى أن الفرقة شاركت في الافتتاح بسكتش «زنود سمر»، ليكون رمزاً لسواد شباب البلد الذين بنوا حضارته عبر التاريخ، لافتاً إلى أن هوية المهرجان تتجه نحو الحفاظ على الموروث الباقي من رقصات وأغانٍ وألحان، ودور الفرقة تجلّى بعكس البيئة العربية الشامية والحلبية والساحلية من خلال هذا العمل ليعكس تراث هذه المناطق.
وأكد برّو أن التراث السوري عمره سبعة آلاف سنة ممتدة في عمق التاريخ لذا علينا أن نحافظ عليه ونكرّسه وألا ننجرف وراء تراث غيرنا.
وأوضح برّو أن فرقة «سورية للمسرح الراقص» تشكل عائلة واحدة بكل أفرادها، وكانت لها نشاطات عدّة مؤخراً، فقدمت في عيد الجيش عرض «سورية قصة حبّ»، تلاه عرض «باقة ورد» على مسرح القباني، كما قدّمت مشروعاً خاصاً عنوانه «دولفينو»، وهو الأول للباليه المائي في سورية وفي المنطقة العربية باستثناء مصر، واليوم تفتتح الفرقة مهرجان «قوس قزح» مع التراث السوري.
هذا، ويستمر المهرجان في دار الأوبرا على مدار أربعة أيام وسيكون فيها حضور لكل من فرقة «غورتسي» التابعة لـ«الجمعية الخيرية الشركسية»، ورقصات شعبية أرمينية تقدّمها فرقة «ميغري»، ورقصات شعبية سريانية وآشورية تقدّمها فرقة «بارمايا»، ليكون الختام مع رقصات شعبية كردية لفرقة «آشتي»، وفقرات موسيقية وغنائية بمشاركة مجموعة موسيقية والمغنية خناف سعيد.