موسكو وواشنطن لحوار إيراني سعودي مباشر في لوزان… وللبنان نصيب؟ نصرالله يرفض مهادنة السعودية كثمن لتمرير الإستحقاق… والحريري يشاور
كتب المحرر السياسي
تتجاور الخيارات والفرضيات والاحتمالات نحو الانفراج والتصعيد، بوقائع قابلة لأخذ المشهد نحو التصعيد أو الانفراجات والعودة للمسارات السياسية. يصح هذا في العلاقة الأميركية الروسية التي تشهد أعلى درجات التصعيد في الخطاب السياسي، والاتهامات المتبادلة بتحمل مسؤولية تعريض الاستقرار والأمن الدوليين للخطر، كما يصح في العلاقة الأميركية الإيرانية مع الصواريخ الأميركية على سواحل اليمن والرسائل التي حملتها حول الملاحة العسكرية في مناطق التداخل مع إيران، ومقابلها تحرك مدمرات إيرانية في مياه الخليج، كما يصح حول سورية والكلام الصادر عن البيت الأبيض بدراسة خيارات أخرى غير الخيار الدبلوماسي لم تحجب المصادر الأميركية الإشارة إلى أن المقصود خيارات عسكرية، بينما يشهد الميدان السوري ذروة التصعيد الذي يحصد فيه الجيش السوري وحلفاؤه المزيد من الإنجازات كان آخرها أمس استعادة مدينة معان في ريف حماة الشمالي من ايدي جبهة النصرة.
مقابل هذه المؤشرات على التصعيد جاءت الدعوة الروسية الأميركية لاجتماع لوزان على مستوى وزراء الخارجية لكل من تركيا والسعودية وإيران وقطر لتقول إن الخط الدبلوماسي الروسي الأميركي في أعلى درجات التنسيق، فالدعوة مشتركة، وتضم حلفاء موسكو وواشنطن المعنيين مباشرة بالحرب في سورية، وتركيا التي ستكون في منتصف الطريق حرصاً على بقاء الخيوط والخطوط التي رممتها مع موسكو وطهران بمنأى عن الاهتزاز.
اجتماع لوزان الذي ما كان ليرد لولا تبلور مسودة روسية أميركية عملية ستعرض على المشاركين لإحياء تفاهم جنيف بين موسكو وواشنطن، والذي تعذر تنفيذه بسبب عجز واشنطن عن جلب حلفائها إلى مساره، وكانت دعوة روسية إيرانية مشتركة لاستئناف الجهود الدبلوماسية حول سورية سبقت الحديث عن اجتماع لوزان، ما يضع الأمور في خانة حلفاء واشنطن، الذين سيحضرون دون الفرنسي والبريطاني، وقد اجتمعوا في الرياض، بلقاء ضم وزير خارجية تركيا ووزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، وخرجوا بمواقف تشكل تعبيراً عن سقوف تفاوضية تمهيداً لاجتماع لوزان يوم غد.
لبنانياً، كشفت مصادر مطلعة أن الرئيس سعد الحريري يتمهل في إعلان ترشيحه للعماد ميشال عون، بعدما تبلغ طلباً سعودياً بربط هذا الترشيح بمهادنة حزب الله للسعودية، خصوصاً في الملف اليمني، وجاء الجواب بأن هذا الطلب ابتزاز مكشوف، وأن أحداً لم يطلب من أحد أن يغير خطابه العدائي لإيران كشرط لقبول ترشيحه لرئاسة الحكومة، إلا عندما يصير رئيساً لحكومة لبنان وعليه أن يلتزم سياسات مجلس الوزراء، والمطروح في الاستحقاق الرئاسي لبننة الاستحقاق وليس تحويله بازاراً إقليمياً لتحقيق مكاسب على حساب اللبنانيين، خصوصاً أن الطلب بذاته يفضح حقيقة من يعطل الرئاسة اللبنانية، ويربطها بتحقيق مكاسب إقليمية. وجاء خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ليحسم الأمر ويؤكد أن موقف الحزب من الرئاسة اللبنانية تحكمه الاعتبارات اللبنانية، وإن أراد الآخرون مقاربة الاستحقاق من هذه الزاوية فاليد ممدودة، وبناء على هذه المعطيات يقوم الحريري بالمزيد من المشاورات لاستكشاف فرصة منحه هامشاً سعودياً شبيهاً بمرحلة تشكيل الحكومة الحالية، عندما تراجع عن شرط خروج حزب الله من سورية، لقاء المشاركة معه في حكومة واحدة، بالقول إننا نقوم بربط نزاع فحزب الله على مواقفه ونحن على مواقفنا، لا هو سيغادر سورية ولا نحن سنوافق على مشاركته، ليقول شيئاً شبيهاً هذه المرة، لكن يبدو أن على الحريري أن ينتظر ما بعد لقاء لوزان، ومسار الحلحلة التي يمكن أن تتضمن هذه المرة أول مسعى روسي أميركي للقاء مباشر سعودي إيراني، تقول المصادر إن موسكو وواشنطن متفقتان على اعتباره الطريق لتمهيد الوصول لحلول سياسية في سورية واليمن وربما يكون للبنان نصيب أيضاً.
نصرالله رمى الكرة الى ملعب «المستقبل»
رمى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطاب العاشر من محرم كرة تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية في ملعب تيار المستقبل الذي استغل الصمت المدروس لحزب الله حيال مستجدات الملف الرئاسي لتسجيل النقاط في مرماه وإطلاق كم هائل من الاتهامات بعدم جديته بترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الى موقع الرئاسة الأولى. وأعاد السيد نصرالله رسم خارطة الطريق الطبيعية أمام ما أسماه بالمسار السياسي الإيجابي وتعمّد ألا يسمّي الرئيس سعد الحريري بالاسم لاعتبارات سياسية تفاوضية تتعلق بموقف الحزب من ترشيح الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة، لكنه وصف ما يقوم به الحريري بالشجاع من قبل شخصية كالسيد نصرالله يترتب عليه التزامات ومسؤوليات معينة وبالتالي يحث الأمين العام لحزب الله الحريري على الاستمرار بمنطق الشجاعة الى نهاية المطاف وأن يعمد أولاً الى إشهار إعلانه ترشيح العماد عون بشكلٍ رسمي، وبعدها ينقل المسار الى مرحلة جديدة، رغم أن إعلان الترشيح لن يكون خاتمة الأمور بل ستعقبه التفاهمات السياسية لتتحول بوصلة توصل لبنان الى بر الأمان. والأهم أن السيد نصرالله أشار الى أنه في حال قدّر للعهد الجديد أن ينطلق بنجاح فإن ملامح حكومة وحدة وطنية يجب أن تتبلور، الأمر الذي يفترض أن تكون جميع القوى أو على الأقل معظمها شريكة بتظهير اللحظة الرئاسية، بمعنى أن السيد يبحث عن اجماع وطني عريض على عون لتحصين خيار اللبننة للمرة الأولى في تاريخ لبنان الحديث. أما اللغط ومحاولة تذاكي البعض وربط دعوة السيد نصرالله الى تفعيل الحكومة والمجلس النيابي بالملف الرئاسي هو مراوغة وخداع، فهو دعا الى تفعيل عمل المؤسسات بمعزل عن مسألة انتخاب الرئيس كما أن إعلان الترشيح في رؤية السيد هو خطوة أولى، أما الأهم فهو التفاهمات السياسية التي تسبق وترافق عملية الانتخاب، أما تعبيره عن دقة وحساسية الوضع الإقليمي فيحمل دعوة الى أن لا نضع رأسنا في الرمال بل أخذ المخاطر المحيطة على محمل الجد وتحضير إمكانات المواجهة ومن جهة ثانية الإسراع في صناعة التفاهمات لإنقاذ لبنان وتحصينه من حريق المنطقة.
الأمين العام لحزب الله الذي أطل شخصياً مرتين متتاليتين أمام الجماهير المحتشدة بالآلاف في الضاحية الجنوبية في تحدٍ واضح للقيادة الأمنية والسياسية في الكيان الصهيوني، شدد على أن «المقاومة ستبقى عينها على إسرائيل وعلى الحدود الجنوبية، ونتابع كل ما يقوله الإسرائيلي وما تفعله اسرائيل وتحضّره وما يصيبها من نقاط ضعف وما تراكمه من نقاط قوة، كما أن عيوننا ستبقى مفتوحة أيضاً على الحدود الشرقية في البقاع، على التكفيريين حيث سنبقى نتواجد وفي سورية وتحمل المسؤوليات الجهادية الجسام».
وردت كتلة المستقبل في بيان على كلام نصرالله، معتبرة أن «حزب الله هو المعطل الحقيقي لانتخاب رئيس للجمهورية. وما ادعاء تأييده اللفظي والملتبس لمرشح معين إلا تأكيد جديد على تعطيل حزب الله لعملية الانتخاب بشكل لم يعد ينطلي على أحد».
الحريري طلب عون فرنسا على السعودية
في غضون ذلك واصل الرئيس سعد الحريري جولته الخارجية الثانية وبعد زيارته للرياض، توجه الى فرنسا والتقى وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت وعرض الحريري خلال اللقاء، بحسب بيان مكتبه الاعلامي، «مخاطر استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية اللبنانية والجهود التي يبذلها لوضع حد له»، كما طلب «تحركا فرنسيا عاجلا لدى الدول الصديقة للبنان لمساعدته على مواجهة اعباء النزوح السوري اليه»، فوعد الوزير ايرولت بـ «بذل كل الجهود الممكنة للاستجابة في هذا المجال».
وقالت مصادر سياسية لـ «البناء» إن الحريري يحاول من خلال جولته الخارجية وخصوصاً الى فرنسا، طلب عونها للضغط على السعودية لتسهيل مساره الرئاسي في لبنان. وعن الموقف السعودي لفتت المصادر الى أن «لا خيارات كثيرة للمملكة في الداخل اللبناني ولا هامش للمناورة، فهي تخسر عسكرياً وسياسياً في كل الساحات على مستوى الإقليم، وهي أعطت الضوء الأخضر للحريري بالتحرك تجاه عون، فإذا نجحت التسوية الرئاسية تعتبر أنها حققت مكسباً لها أما إذا فشلت فتنفض يديها من الحريري».
متى تنتهي مهلة «التيار»؟
الى ذلك، يحيي التيار الوطني الحر ذكرى 13 تشرين الأحد المقبل في احتفال شعبي حاشد على طريق القصر الجمهوري تتخلله كلمة للعماد عون في معنى المناسبة ومحاكاة لأرواح الشهداء وتأكيد على الثبات والاستمرار على خطهم، بحسب ما أكدت مصادر بارزة في التيار الوطني الحر لـ «البناء»، والتي أشارت الى أن «الجنرال سيؤكد مجدداً على الشراكة الوطنية والميثاقية واحترام الدستور والقوانين في المؤسسات، ولن يصعد تجاه أي طرف بل سيكون خطابه انسجاماً مع الأجواء الإيجابية والحوار الحالي مع رئيس المستقبل سعد الحريري وامتداداً لأدبيات مقابلته الأسبوع الماضي على قناة «أو تي في».
وشددت المصادر على أن «التيار يلمس إيجابية جدية في مسعى الحريري وما تريث الأخير عن إعلان الترشيح رسمياً إلا لحرصه على نجاح مبادرته مستفيداً من دروس فشل مبادرة ترشيح الوزير سليمان فرنجية. ورأت أن مواقف السيد نصرالله الاخيرة جيدة ولا غبار عليها وما اتهامات المستقبل له بأنه لا يريد عون رئيساً إلا محاولات لإرضاء السعودية».
وأكدت المصادر أن «التواصل بين الرابية وبيت الوسط مستمر عبر قنوات عدة»، وأوضحت أن «التيار لم يحدد للحريري مهلة لإعلان الترشيح لكنها ليست مهلة مفتوحة وقد تكون في 31 الحالي موعد جلسة الانتخاب وقد تكون قبله».
باسيل: لا أجزم ترشيح الحريري لعون
وأكد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أن «هدفنا الاستراتيجي هو التفاهم مع المستقبل، لأن البلد لا يقوم بلا مكوناته الأساسية ولبنان «لا يركب» بلا الممثل الأكبر للطائفة السنية». وفي حديث تلفزيوني أشار باسيل إلى أن كل ما يُقال عن اتفاقنا مع المستقبل على الحقائب الوزارية لا أساس له تماماً كملف النفط وهدفه التخويف ولا صفقات ولا تفاهم مع أحد ضد أحد ولا اتفاق على تأجيل الانتخابات، بل هناك اتفاق على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها وعلى إقرار قانون انتخاب جديد بالاتفاق مع جميع القوى الأساسية وعلى حكومة وحدة وطنية، موضحاً أنه من الطبيعي اذا انتخب الحريري العماد عون أن يسمّي الجنرالُ الحريري لرئاسة الحكومة».
وتابع باسيل: «لا أجزم أن الحريري سيرشح عون ونحن بانتظار إعلانه، ولا نمانع من إعطاء الوقت لهذا الموضوع، والضغط يمارس في الشارع والسياسة ونحن ننتقل من الضغط السياسي الى الضغط الشعبي، وموضوع الفيتو السعودي على عون هو عند الحريري وليس عندنا».
وكان وفد التيار الوطني الحر واصل حراكه باتجاه القوى والأحزاب السياسية لشرح المستجدات الرئاسية، فزار أمس النائب نقولا فتوش ومقر الجماعة الإسلامية والنائب محمد الصفدي الذي أعلن تأييده «للخيار الذي تقرره الأكثرية المسيحية لرئاسة الجمهورية وتأييد الحريري لرئاسة الحكومة». كما زار الوفد وزير السياحة ميشال فرعون الذي اشترط توفر الشرعية المسيحية لأي مرشح رئاسي الى جانب القبول الوطني.
.. وجلسة للحكومة
وبانتظار حسم الحراك الرئاسي سلباً أم ايجاباً، تواظب الحكومة على عقد جلساتها متكئة على نصف المشاركة العونية، فعقدت جلسة أمس، غابت عنها الملفات السياسية الساخنة بغياب وزير الخارجية جبران باسيل وحضور وزير التربية الياس بو صعب الذي قال «إن المعطيات التي كانت في الجلسة الماضية لا تزال نفسها اليوم ولم يتغير شيء».
وأشار وزير العمل سجعان قزي لـ «البناء» الى أن «الحكومة عادت الى جلساتها الطبيعية وإنتاجيتها التي بدأت في جلسة الاسبوع الماضي وستستمر. وهذا الأمر جاء نتيجة توافق جميع الأطراف السياسية على تفعيل عمل الحكومة في انتظار استكمال الأجواء الإيجابية على الصعيد الرئاسي»، وأوضح قزي أن «مشاركة الوزير بو صعب يعتبر مشاركة كاملة للتيار الوطني الحر لأنه يمثل التيار في الحكومة وغياب الوزير باسيل لا قيمة سياسية ودستورية له بوجود بو صعب».
وأفرج مجلس الوزراء عن المخصصات العائدة للاموال السرية لكل من الجيش اللبناني والامن الداخلي، وأخذ رئيس الحكومة تمام سلام على عاتقه معالجة مخصصات أمن الدولة، كما عن قرار التعويض على مزارعي الكرز في عرسال عن السنوات الثلاث الماضية بتخصيص 10 مليارات ليرة لبنانية عبر الهيئة العليا للاغاثة. وعلمت «البناء» أن «الرئيس سلام سيجري اتصالات في الايام المقبلة مع الأطراف السياسية المعنية للبحث في تعيين مدير جديد لجهاز أمن الدولة ونائب جديد له».
وقالت مصادر وزارية لـ «البناء» إن «الجلسة كانت ايجابية ومنتجة الى حدٍ ما ولم تشهد أي سجالات حادة بل بعض الاختلاف في وجهات النظر بين الوزراء حول اعتمادات الأجهزة الأمنية، وحاول بعض الوزراء ربطها باعتمادات ووضع جهاز أمن الدولة، لكن وزراء آخرون رفضوا ذلك وأعلنوا أنهم مع تأمين كل الدعم المالي لامن الدولة وضرورة تحصينه لكن لا يمكن تجميد اعتمادات الأجهزة الامنية لا سيما الجيش اللبناني بانتظار تسوية ملف أمن الدولة». ومن المتوقع أن يدرج ملف الاتصالات والمناقصات على جدول أعمال الجلسة المقبلة الخميس المقبل».