الأمم المتحدة… جرائم بالجملة ضدّ الإنسانية
جمال محسن العفلق
منذ تأسيس عصبة الأمم عام 1919 ، التي فشلت في الحفاظ على السلم العالمي. ومن ثم، تأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945 وحتى يومنا هذا والجرائم ضدّ الإنسانية تتمّ تحت رعاية الدول المؤسسة والموقعة على ميثاق الأمم المتحدة، أو على الأقلّ، تحت رعاية الدول الفاعلة في المنظمة الدولية ومجلس الأمن. ولا يمكن حصر، أو ذكر، جميع تلك الجرائم، فبعد استخدام الولايات المتحدة الأميركية القنابل النووية ضدّ شعب اليابان ومن ثم ضمّ الكيان الصهيوني إلى الأمم المتحدة، مروراً بحرب فيتنام وكوبا وحروب الإبادة التي مارسها الغرب، تحت سمع وبصر العالم ومن خلال الانفراد بقرارات دولية، تخدم مصالح الغرب الاستعمارية وبرعاية الأمم المتحدة ومجلس الأمن، الذي كان يقف عاجزاً أمام تلك الأعمال الوحشية، في وقت استطاع المسيطرون على قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الأخرى التابعة لها، حماية تلك الدول والعصابات والاكتفاء، في بعض الأحيان، بإصدار بيانات غير ملزمة لحفظ ماء الوجه.
فالمنظمة الدولية، بكلّ ما يحمل دستورها من عبارات إنسانية ومثالية، لم تكن قادرة على حماية الشعب الفلسطيني. ولم تستطع في يوم من الأيام وقف جرائم العصابات الصهيونية، بحق الإنسان العربي والفلسطيني. بل دائماً ما كانت تجد المبرّر لتشريع تلك الجرائم. وهذا ليس بالسرّ، إذا ما علمنا انّ الغرب والولايات المتحدة، يعتبرون انّ وجود الكيان الصهيوني هو أمر أساسي لتسهيل تطبيق السياسة الاستعمارية الجديدة، بالسيطرة على موارد الطاقة ومصادرها.
وعندما يقرّر مجلس الأمن أن يعطل أيّ قرار عدواني، تقوم تلك الدول بالعمل على تنفيذه خارج إطار الأمم المتحدة ومجلس الأمن، كما حدث في العراق عام 2003. وهذا دليل على شيء واحد، هو أنّ الأمم المتحده ومجلس الأمن وكلّ المنظمات المتفرّعة عنهما، ليس لديها أيّ قرار وكأنها وجدت لتفعيل القرارات العداونية وتمرير قرارات إبادة الشعوب وتدمير تاريخها الإنساني والحضاري.
ومن السخرية أنّ هذه المنظمة العالمية، التي يتحدّث ميثاقها عن حرية الشعوب وحقها في تقرير مصيرها، لم تتخذ أيّ قرار يحمي الشعوب الفقيرة، بل دائماً كانت ضدّ تلك الشعوب، من خلال المسيطرين على قراراتها. ومن الوقاحة ان نجد «عصابة اسطنبول» وما يسمّى «ائتلاف الدوحة» الخائن يراسلون تلك المنظمة وأمينها العام ويجدون من يستقبل تلك الرسائل، على الرغم من كلّ جرائم هذا الائتلاف وتعاونه الواضح مع الجماعات الإرهابية، التي تعمل على قتل الشعب السوري ليل نهار.
فمن خلال الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية وبعض الكيانات العربية، التي تعمل في خدمتهم، وصلت تلك الجماعات الإرهابية إلى أروقة الأمم المتحدة وأصبحت تمرّر القرارات التي تحميها، فكما قامت تلك المنظمة، من خلال الغرب وأميركا بحماية «إسرائيل» وتبرير جرائمها بحق الإنسانية، تقوم اليوم، تلك المنظمة، بحماية جرائم ما يسمّى «المعارضة السورية» وتميّع أيّ قرار إدانة لتلك الجماعات.
فكيف لنا أن نقبل أن تمرّر الأمم المتحدة ومجلس الأمن، جرائم استخدام الغازات السامة التي تأتي عبر تركيا، من خلال عصابة الائتلاف، لتصل إلى أيدي «داعش» و«النصرة»؟ وكيف للمنظمات الحقوقية أن تسكت عن حصار قرى لسنوات، من قبل الجماعات التكفيرية وتساومها على إدخال حليب الأطفال، مقابل التسليح، أو مقابل الإفراج عن مجرمين قاموا بتخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية؟
وما حرب الإبادة، اليوم، في اليمن، إلا واحدة من جرائم الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وهذا يدلّ على أنّ جميع تلك المنظمات، بما فيها الجامعة العربية، تساهم في قتل الإنسان وتخضع للمموّل والمسيطر عليها، من دون أدنى احترام لعقل الإنسان.
لقد آن الآوان، لترفض شعوب الأرض دور هذه المنظمات وتطالب بحلها. فكلّ ما يحدث اليوم، هو جرائم لا أخلاقية بحق الإنسانية جمعاء. ولم يعد مقبولاً تكريم دول تدفع حفنة من الدولارات، تحت أسم مساعدات إنسانية. وفي المقابل، تدفع مليارات لشراء السلاح وتأجيج النزاعات وتمويلها. فحالة الفصام الأخلاقي هذه، التي تعيشها الأمم المتحدة والمنظمات التابعة، لها أنتجت مئات آلاف الضحايا والمصابين. حتى على مستوى العلاج الطبي، ساهمت الأمم المتحدة، بشكل أو بآخر، بنشر الأمراض والأوبئة. في سورية مثلاً، استطاعت الدولة السورية خلال أربعين عاماً، التخلص من أكثر الأمراض المعدية. لكن نتيجة الحرب الكونية على الشعب السوري ومن خلال حماية الأمم المتحدة ومجلس الامن لكلّ من تركيا و«إسرائيل» والأردن، عادت تلك الأمراض للانتشار، من خلال تسهيل نقل الملتحقين بالجماعات الإرهابية، من كلّ دول العالم وإدخالهم إلى سورية، بحجة دعم ما يسمّى «الثورة السورية». فحوّلوا تلك التحركات الشعبية، إلى حرب يسيطر عليها اللقطاء من كلّ دول العالم، بما يحملوه من أفكار تدميرية وأمراض جسدية، انتشرت بين أبناء الشعب السوري.
يكفي القارئ أن يدخل إلى أيّ موقع ساخر ويجمع عدد كلمات القلق التي تحدّث عنها الأمناء العامون للأمم المتحدة، منذ تأسيس تلك المنظمة. ويكفي القارئ أن يبحث عن كلمة بيان غير ملزم صادر عن مجلس الأمن، ليجد آلاف البيانات التي تخصّ جرائم المنظمات الصهيونية والمنظمات المموّلة من أميركا والدول العربية، التي كانت تطلق، بعد كلّ جريمة، بيانا صحافيا غير ملزم، مهمته امتصاص نقمة الشعوب والعمل على إشغال الناس بالبيان، لترك أصل الجريمة ومرتكبها، أو مرتكبيها.
نحن اليوم ضحية القرارات الدولية المزيّنة باللغة الإنسانية. ونحن اليوم ندفع ثمناً كبيراً وكبيراً جداً، من دمنا ولحمنا، نتيجة ميثاق أممي لا يحترم شعوب الأرض وإنما هو ميثاق مهمته إبقاء السيطرة الاستعمارية وإبقاء النظرة الدونية على شعوب يطلقون عليها اسم «عالم ثالث». حتى الحق بالحياة، أصبح مطلوبا منا أن نستجديه من تلك المنظمة، التي تعتقد اليوم، من خلال المسيطرين عليها، أنها قادرة على تشريد الشعب السوري، كما فعلت بالشعب الفلسطيني من قبل!