التحالف العضوي بين المقاومين…
د. رائد المصري
لقد حان الوقت الذي يُمكن الكشف فيه والإعلان عن تحالف المقاومين في ما بينهم ولو كان التباعد الجغرافي واسعاً وبعيد المدى. حيث إنَّ المجتمعات العربية عاشت طيلة السنوات العشر الماضية حالة الانكفاء والعزل بسبب ما كرَّسه تحالف إعلام النفط ويسارييه ومن المتأسلمين الجُدد في تبسيط وتسطيح النهج المقاوم العابر للحدود في المقاطعات الجغرافية العربية، رغم ما عزّزه محور المقاومة من حالة الردع ضدّ العدو الاستعماري الغربي الأميركي والصهيوني.
خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الذكرى العاشورائية وما أرساه من ثوابت وحقائق في هذه الحرب المجنونة التي تُشنّ على المنطقة، يبدو أنَّه أسَّس من خلاله لتحالف عضوي صلب في قلب المعادلة اليمنية، حيث لاقاه قائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي، وردَّ التحية والدعم بأحسن منها، على اعتبار أنَّ الاستهداف أو المُراد من الاستهداف في الحرب اليمنية هو نفسه ما يُرسم وما يُريده المشروع الاستعماري وأدواته في المنطقة.
فحقيقة الأهداف والأولويات في المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة وفي كلِّ المنطقة العربية هو كسر النهج المقاوم وتسطير منظومة سياسية ذليلة خانعة تنفِّذ شروط الراعي المستعمر وتطوِّع شعوبها الذي وضعته الآلة الإجرامية الغربية بين مطرقة الإرهاب التكفيري وسندان النظم المتواطئة للقبول بتسويات تفرضها قوة خارجية وأجنبية. فنجد في المقابل الأهداف السعودية الظاهر منها إلى اليوم متطابقة مع أهداف المشروع الأميركي الصهيوني في ضرب اليمن ومقاومته وإنتاج طبقة سياسية وظيفية مطبوعة بالذلِّ والإملاءات الخارجية ليبقى هذا البلد ضعيفاً منهاراً تَسهُل السيطرة عليه والسطو على مقدّراته من خلال مشاريع العولمة الاقتصادية التي بدأت تمهِّد لها السعودية بعد فقدانها لكبريات شركات القطاع العام ورهنها لأصولها المليارية في معادلة عجز كلُّ صنَّاع السياسة حتى اليوم في تحديد ماهيتها وتتلخَّص بالتالي: «أعطيكم أموالي أيّ الغرب وأميركا لتحكموني بها»…
المنطقة والعالم اليوم أمام معادلة جديدة في الصراع الذي لن ينتهي على ما يبدو، حيث إنَّ الأدوات المستخدمة فيه تتبدَّل أدوارها، لكنها تبقى على الهدف نفسه الذي من أجله خُلقت وبذَرت بذرتها المشوَّهة في الأرض الطاهرة، فنجد أنَّ أهداف هذه المنظومات وأدواتها الوظيفة تعمل في لبنان لمحاصرة المقاومة وحواضنها، وتعمل كذلك على الموجة والمسار نفسيهما في سورية والعراق واليمن اليوم، حتى بالاستخدام الوحشي لو اضطرها الأمر، وبما يخالف كلَّ أدبيات وأخلاقيات الحروب، كقصف صالة العزاء في صنعاء، وهو الأسلوب المتبع ذاته والمستمر للصهاينة في مجزرة قانا ودير ياسين وبحر البقر وغيرها… وكلها تدلّ على الإفلاس السياسي والمجتمعي، وكذلك الإفلاس الأخلاقي القائم على منطق التكفير بما يؤدِّي إلى حالة الإلغاء والتصفية تجسَّدت خيراته كلّها في القوى الراديكالية الإسلامية وفَوْعَتها الوحشية في البلاد العربية.
في مجمل القول إنه ليس بالنفط وحده يحيا الإنسان، حتى لو بدأ العدّ العكسي لانحدار المشروع الوظيفي للمملكة العربية السعودية بعد التعديل على أسواق النفط العالمية والتغيير في أنماط أسواق العمل الدولية، فهناك حرب جديدة قد يطلقها المشروع الاستعماري الأميركي بعد تعرُّض البارجة الحربية المرابطة في باب المندب لصواريخ مصدرها الأراضي اليمنية، حرب يمكن لها أن تغيِّر معادلات الصراع في المنطقة والخليج، فصار الحديث عن خطاب سياسي واحد وجامع للمقاومات من فلسطين المحتلة وصولاً إلى اليمن وباب المندب، وصارت الأهداف الغربية الاستعمارية وأدواته موحَّدة كذلك في الشعارات والمصالح والاستخدام، ولمنع انتقال هذه العدوى المقاومة واستعمالها كأنموذج يحتذى به وجب تطويقها وحصر مفاعيلها وضربها إذا أمكن.
ها قد بدأت أميركا عبر محمياتها الخليجية وبوارجها المرابطة في الخليج بضرب أهداف للجيش اليمني وراداراته، وهو ما يدلُّ أكثر وبدون شكّ على أنَّ العين الأميركية والاستعمارية ستبقى دائماً شاخصة على حركة الجيوش العربية وقوتها وإثبات حضورها والأهم عقيدتها القتالية الجبروتية.
في التحالف العضوي والممتدّ للمقاومات في كلِّ المنطقة العربية نقول كلمة حق ودون مبالغة أنَّه علينا التخلِّي عن الشعارات الخاوية كما علينا التخلِّي عن النزاعات الجانبية ونخرج ببيئة اجتماعية سليمة ومعافاة خالية من الفساد ومحصّنة كي يستقيم الأمر في إسناد ظهر المقاومين المرابطين على التخوم.. فهل هناك أجمل من بيئة اجتماعية صافية خالية من الفساد والمحسوبيات في بناء وطن قوي وقادر يَسنُدُ المقاوم له ظهره أثناء الشِّدة والنَكَسات؟ إنها حقيقة يقولها كلُّ مقاوم…