من لوزان… هل يخمد البارود أم تشتعل النيران؟
د. محمد بكر
بالحدّ الأدنى يمكن القول إنه جُمّد روسياً ما كانت تعدّه موسكو شركاء دوليين، بوتين قالها صراحة لجهة انعدام الحوار مع واشنطن في المسألة السورية، متهماً فرنسا بإثارة هستيريا إعلامية ضدّ بلاده، مضيفاً انّ باريس وبرغم علمها بأنّ مشروع قرارها لن يمرّ، مع ذلك تقدّمت به لماذا؟ يجيب بوتين: كان ذلك بهدف التصعيد، صحيح أنّ الكباش في الخطاب الروسي الأميركي وصل إلى مراحل متقدمة تنذر بما لا يُحمد عقباه، وأنّ وسائل الإعلام الروسي تهيّئ الشارع لاحتمال اندلاع مواجهة أو حرب مع واشنطن، وما قيل عن تجهيز للملاجئ وتدريب مئات الآلاف لأعمال الدفاع المدني، إلا أنّ ذلك يأتي في إطار رسائل تريد أن تصدرها موسكو لخصومها لجهة اكتمال الاستعداد والجهوزية سواء خارج الجغرافيا الروسية أو حتى داخلها لمواجهة لدرء أيّ تهديدات مهما بلغت المطارح التي من الممكن أن تصل إليها، وهذا ما قاله لافروف عن قدرة بلاده على حماية مصالحها محذراً واشنطن مما سماها الألعاب الخطيرة.
لوزان اجتماع الفرصة الأخيرة ، هكذا تمّ توصيف اللقاء الدولي الذي سيُعقد في مدينة لوزان السويسرية، هذا اللقاء الذي سيكون روسياً بمثابة البحث في أيّ جديد ممكن أن يقدّمه الطرف الأميركي، لأنه أي الروسي حسم أمره كلياً في الميدان السوري، ولا سيما في حلب، لذا هو يأتي إلى لوزان على قاعدة المستمع للخصم، إنْ كان ثمة عند الأخير ما يعزز الرؤيه الروسية لجهة استمرار الاستراتيجية العسكرية، وأنه لا شيء سيعدّ جديداً في القاموس الروسي ما لم يتمّ «التخلي» عن الفصائل المصنفة دولياً بأنها إرهابية، إذ لا تريد واشنطن وحلفاؤها المباشرة بتنسيق الجهود العسكرية مع الروس تحت عنوان أنه لا يمكن القيام بالفصل بين المعتدلين والإرهابيين في ظلّ استمرار القصف كما جاء على لسان وزير الخارجية الفرنسي في مجلس الأمن.
للتنبّؤ عن شكل النيران وطبيعة الألسنة وإلى أيّ مستوى يمكن أن تصل له، يمكن الانطلاق من نقطتين رئيستين:
الأولى: تذبذب السياسة التركية كعامل رئيس في يوميات الحرب السورية، إذ وبعد زيارة بوتين لأنقرة وإبرام جملة من الاتفاقات الاقتصادية التي يجب أن تكون مولدة للسياسات التوافقية، ينعقد في الرياض الاجتماع الخليجي التركي، لم يجد حرجاً عادل الجبير في وصفه بالمثمر للغاية، وأنّ تركيا تسعى لذات طريقة المعالجة التي تسعى لها السعودية في سورية، فيما بادل أوغلو زميله السعودي ذات الحميمية ومشاعر الحب ليعلن أنّ تطبيع العلاقات مع روسيا لا يعني تغيير الموقف من الأسد، كلّ ذلك يجعلك تستقرئ بوضوح حدود التصعيد الذي يُحكى عنه والممهور بالخاتم الأميركي لجهة استئناف المواجهة العسكرية غير المباشرة عبر الحالات المسلحة المحسوبة على السعودية وغير السعودية…
من هنا نفهم ما أثاره الأمين العام لحزب الله من استراتيجية أميركية قاعدتها تكديس داعش.
النقطة الثانية: تكمن في سؤال هامّ مفاده، أين ستكون «إسرائيل» فيما لو اندلعت مواجهة عالمية مباشرة، وهل تملك الضمانات لتقييد أو فرملة ما سيقدم عليه حزب الله أو حتى الجيش العربي السوري عندما تصبح الموقعة على قاعدة «عليّي وعلى أعدائي»، وهي التي طفحت دراسات مراكزها الاستراتيجية بالتخوّف والقلق من المخزون الاستراتيجي الصاروخي للحزب، وعدم القدرة على ردعه، من هذه النقطة نقرأ ونفهم ما نشرته صحيفة «ايزفيستيا» لجهة الطلب الإسرائيلي من وزارة الدفاع الروسية بضرورة تنسيق وإبرام بروتوكولات إضافية لتفادي وقوع حوادث في سماء سورية، وأنّ «إسرائيل» تسعى دائماً لعلاقات جيدة مع روسيا.
لوزان على الأبواب، وتكديس داعش أميركياً مستمرّ، والمضيّ الروسي في سورية وفي الداخل الروسي مستمرّ، البارود لن يخمد إلا بمعجزة، أو بمن يثبت نفسه باقتدار وهو يصدح: كسر العظم من اختصاصي.
كاتب صحافي فلسطيني.
Dr.mbkr83 gmail.com