إيران تنجح بفرض شراكة مصر والعراق لإقامة توازن بوجه تركيا والسعودية فرنسا تحاول تعويض خسائرها السورية بالانفتاح على مبادرة الحريري العونية

كتب المحرّر السياسي

بينما يستعدّ العماد ميشال عون لتقديم مسودة أولى لخطاب رئاسي على مقربة من قصر الرئاسة بعد آمال طوال بدخول قصر بعبدا رئيساً، فيما تجد فرصته الرئاسية هذه المرة أفضل شروطها قياساً بالمرات السابقة، يستعدّ الجيش السوري للتقدّم في أحياء شرق حلب بعدما صار حي بستان الباشا بيده كلياً، وصار حي الشيخ سعيد بحكم الخاضع لسيطرته، وهما بوابتا شرق حلب من الشمال والجنوب، وتتساقط تباعاً المواقع الهامة للجماعات المسلحة المدعومة من السعودية وتركيا، في ريف دمشق وشمال حماة بيد الجيش.

على إيقاع هذين المسارين تتسابق مبادرات التسويات السياسية مع عناصر التعطيل، سواء ما يبذل داخل تيار المستقبل بقيادة الرئيس فؤاد السنيورة لزرع الفخاخ في طريق المبادرة التي يدير الرئيس سعد الحريري مشاووات داخلية خارجية حولها، أو عبر تغريدات سعودية مشفوعة بالرسائل القطرية التي لا تخلو من قلق «إسرائيلي» من وصول حليف وثيق الصلة بحزب المقاومة الرئيسي الذي يمثله حزب الله إلى رئاسة الجمهورية، وتظهر المساعي السياسية بقوة في المسار الإقليمي الدولي بانعقاد أول اجتماع لترميم الصدوع في لوزان السويسرية يضمّ بدعوة روسية أميركية كلاً من إيران والسعودية وتركيا وقطر، ومصر والعراق اللتين نجحت إيران بفرض مشاركتهما كشرط لحضور الاجتماع.

اجتماع لوزان الذي يضم مصر والعراق مع السعودية وإيران يضع اللاعبين الكبار في المنطقة وجهاً لوجه، فيما تكتسب إيران المزيد من الحضور بعلاقة تتوطّد مع مصر بعد فتح مكتب لرعاية المصالح المصرية في طهران، ويلحقها قيام الرباط بتعيين سفير بعد قطيعة طويلة، وتبدو تركيا مرتبكة في التوفيق بين علاقتها بإيران وروسيا وعلاقتها بواشنطن والرياض، بينما يقف العراق في صف إيران، متقدّماً الصفوف بلهجة قاسية في التخاطب مع العبث السعودي والتلاعب التركي.

الخماسي الإقليمي الإيراني العراقي المصري السعودي التركي، يشكل بغياب «إسرائيل» فرصة لإرساء قواعد نظام إقليمي جديد، من بوابة إحياء التفاهم الروسي الأميركي حول سورية إذا كانت السعودية وتركيا قد استخلصتا الدروس من منهج التعطيل وطريقه المسدود.

لبنانياً، وعلى المسار الرئاسي بدت فرنسا وفقاً لمعلومات مصادر مطلعة، منفتحة على مبادرة الرئيس سعد الحريري الرئاسية القائمة على دعم ترشيح العماد ميشال عون، بعدما خسرت رهان التصعيد في سورية، وتدفع الثمن باستبعادها عن اجتماع لوزان، فقد نقلت المصادر ما وصفته بتشجيع فرنسي للرئيس الحريري على المضيّ قدماً في مبادرته، وأرادت أن تصل رسالتها إلى إيران وحزب الله كعلامة حسن نية بعد التورّط الفرنسي بمواقف تصعيدية عدائية في الحرب السورية وقفت بنسبة كبيرة وراء التشجيع على المواقف المعطّلة للتفاهم الروسي الأميركي، سواء بتشجيع السعودية على العناد أو بإرسال مواقف ترفع منسوب التصلّب لدى الجماعات المسلحة وتوحي بالقدرة على تقديم المزيد من أسباب القوة لها.

الأنظار الى قصر بعبدا…

تتجه الأنظار الى قصر بعبدا، حيث سيُطلق العماد ميشال عون من على مشارفه خطابه في الاحتفال الشعبي الذي يقيمه التيار الوطني الحر بذكرى 13 تشرين الأحد المقبل، وبالتالي سيعكس مستوى ومضمون الخطاب منسوب التقدم مع الحريري على صعيد الرئاسة واحتمالات حسم الملف لصالح انتخابه في جلسة 31 تشرين الحالي.

وأشارت مصادر نيابية في التيار الوطني الحرّ لـ «البناء» الى أن «كلمة العماد عون لم تُحسَم ولم تكتمل بعد لجهة المضمون والمستوى التصعيدي أو التهدئة بانتظار تطوّرات ما ستحصل خلال الـ 48 ساعة المقبلة، مرجّحة أن تنسجم مواقفه مع الأجواء الإيجابية في الرئاسة». ولفتت الى أن «الرئيس سعد الحريري يتقدم في خطواته الإيجابية المدروسة تجاه تسمية عون ولم يظهر حتى الآن أي أمور أو جهات داخلية أو خارجية معرقلة، بل هناك هواجس لدى بعض الأطراف ومطالب بالشراكة في التسوية، وعون والحريري جاهزان لتبديد هذه المخاوف وطمأنة أي مكون وطرف سياسي». ولم تر المصادر في الموقف السعودي أنه «يعرقل مسار التسوية، بل تعتبر أن المواقف في المملكة تتفاوت بين المتفرج واللامبالي تجاه حراك الحريري ولم يخرج أي موقفٍ سلبي حتى الآن».

وعن اتهام تيار المستقبل للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بأنه ومن خلال خطابه الأخير يقطع الطريق على عون ولا يريده رئيساً، أجابت المصادر: «فليأخذ المستقبل قراره النهائي ويعلن عون رسمياً ولاحقاً نتكفّل مع حزب الله بتسهيل الأمور مع فريقنا السياسي». ولفتت المصادر العونية الى أن «الحريري وضع عون بأنه سيستكمل جولته واتصالاته الخارجية ليستطيع ترسيخ المبادرة ومنحها الغطاء الدولي»، مشيرة الى أن «الخطوة الأولى تقع على عاتق المستقبل وبعدها تسهيل الأمور مع الحلفاء يتكفلها عون، ورجّحت المصادر حدوث تطور نوعي في الرئاسة في 31 تشرين وربما قبله»، معولة على «جهود الحريري بتسويق ما تم التوصل اليه مع التيار على المستوى المحلي والخارجي».

جنبلاط وفرنجية يغرّدان…

والى أن تنضج الظروف داخلياً وخارجياً وتحمل التسوية رئيساً الى بعبدا، يملئ بعض اللاعبين المحليين في الرئاسة الوقت الضائع بتوجيه بعض الرسائل السياسية على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد غرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط عبر «تويتر»، داعياً الى استعجال إجراء الانتخابات الرئاسية بمعزل عن «السلل الفارغة»، ذلك أن «أي جهة سياسية أو حزبية معينة لا تستطيع تحمل تبعات إمكانية الانهيار في ظل هذا الوضع اليائس». وقال: «كفانا جدلاً بيزنطياً من هنا وهناك حول كيفية انتخاب الرئيس، وكفانا سلالاً فارغة وأوهاماً بأن لبنان في جدول أولويات الدول، هناك فوضى عالمية عارمة، لذلك التسوية الداخلية أياً كان ثمنها تبقى أقل كلفة من الانتطار، لأن التسوية السياسية في انتخاب رئيس أهم من فوائد قصيرة المدى في إغراءات آنية قد تكون مضرّة على المدى الطويل». وتابع «لا اعتقد أن حزب الله وغيره من القوى الموجودة تستطيع تحمل مخاطرة الفراغ».

أما رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية فقد نشر عبر حسابه على تويتر فيديو لسيارة «برتقالية» تسيَّر عن بُعد، «تحوم داخل غرفة مغلقة وترتطم مراراً بالجدران والأبواب وتدور في أرضها».

و»التيار» استكمل جولته

في غضون ذلك، واصل «التيار الوطني الحر» جولاته على الأطراف السياسية. فزار وفد منه يرأسه وزير التربية الياس بو صعب رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل في بكفيا، وأكد بو صعب بعد الاجتماع أن «موضوع الرئاسة أصبح قريباً، لكنه لم يُحسَم بعد». أما الجميل فأشار الى «أننا منفتحون للنقاش مع النائبين سليمان فرنجية وميشال عون للوصول إلى تفاهم في الانتخابات، تسمح لنا أن ننتخب أحد المرشحين من دون مناقضة ثوابتنا ومبادئنا»، مشيراً الى ان «حتى اليوم لا تفاهم، وقد نضع ورقة بيضاء أو قد نرشح شخصاً ثالثاً».

وقالت مصادر المشاركين لـ «البناء» إن «تطوراً حصل في موقف حزب الكتائب وحصل نقاش في بعض المواضيع على أن يستكمل لاحقاً، لكن الأجواء إيجابية وحزب الكتائب لديه شعارات ومبادئ، لكنه سيتعامل مع الملف الرئاسي بواقعية ولا اعتراض على شخص عون، بل طرح الجميل تساؤلات عدة وهواجس حيال بعض العناوين السياسية».

ولفتت المصادر الى أن «خلال جولة وفد التيار لم نلمس من القوى السياسية رفضاً قاطعاً لانتخاب عون بل كل طرف لديه هواجس معينة ورؤية للمرحلة الحالية وللتسوية الرئاسية»، موضحة أن عون لا يسعى الى الحصول على الأغلبية النيابية للتصويت له في المجلس، لأنه لن ينزل إذا لم يتوافر الإجماع الوطني حول انتخابه».

وقالت مصادر سياسية في 8 آذار لـ «البناء» إن «الجمود سيد الموقف في الاستحقاق الرئاسي»، متخوّفة من «مناورة في حركة الحريري تجاه عون لحرق المرشح الثاني في فريق المقاومة»، مشيرة الى أن «حزب الله يحاول تسهيل الأمور أمام الحريري وفصل مسار الرئاسي عن الوضع المتـأزم في المنطقـة لكي يـرى الى أيـن سيصـل الحريـري ومـاذا سيقدّم».

«المستقبل»: لا معطيات للحسم القريب

وقللت مصادر نيابية في المستقبل من منسوب التفاؤل العوني تجاه انتخاب رئيس في 31 الحالي، معتبرة أن المعطيات الحالية لا تشي بقرب انتخاب رئيس، ونفت لـ «البناء» المصادر كلام الوزير جبران باسيل عن اتفاقات حصلت بين عون والحريري حول الرئاسة، ولفتت الى أن «خطاب السيد نصرالله لا يوحي بأن حزب الله مستعدّ لتسهيل الأمور. فهو يقول لعون «قلع شوكك بإيدك» مع الرئيس نبيه بري والوزير فرنجية فضلاً عن السقف العالي ضد السعودية». وشددت المصادر على أن «الحريري غير مستعد أن يصطدم بحائط حزب الله مرة أخرى، كما حصل بترشيح فرنجية».

وأوضحت أن «الحريري يستكمل اتصالاته ولقاءاته في الخارج في محاولة لاستكشاف مدى التأييد الدولي والإقليمي لحراكه وللضغط على إيران لتسهيل الأمور». ونفت المصادر أن يكون الحريري قد طلب مساعدة فرنسا للضغط على السعودية لتسهيل الرئاسة»، معتبرة أن هدف هذا الكلام إظهار أن السعودية لا تريد عون وتعطل انتخاب الرئيس. وهذا هروب الى الامام وللتغطية على موقف حزب الله المعطل الذي لا يريد رئيساً ولم يقنع حليفيه بري وفرنجية بالسير بعون حتى الآن».

وعن حديث رسائل فرنجية الى المستقبل بأنه باقٍ على ترشيحه ولن ينسحب ولو بقي معه نائب واحد، دعت المصادر فرنجية الى «أن يقنع السيد نصرالله ونحن نسير معه». واستبعدت المصادر أن يعلن الحريري اسم أي مرشح وخصوصاً عون قبل التفاهم مع الأطراف على انتخابه».

التهديد الأمني لا يزال موجود

أمنياً لا تزال الإنجازات التي حققتها الأجهزة الأمنية وتحديداً خلال ليالي عاشوراء تلقي بثقلها على المشهد الداخلي والتي تمكّنت من إنقاذ الضاحية الجنوبية وبعض المناطق من عمليات إرهابية، كادت تؤدي الى كارثة لو تمّ تنفيذها، وقالت مصادر أمنية لـ «البناء» إن «حجم الخلايا التي تمّ اكتشافها ونوعية العمليات التي كانت تنوي تنفيذها يدلّان على أن الخلايا الإرهابية لا تزال موجودة وتتحين الفرص لتنفيذ مخططها وأن لبنان لا يزال جزءاً من المشروع الإرهابي، كما أظهرت مدى السهر الأمني المتميّز من مخابرات الجيش والأجهزة الرسمية ونجاح لافت للأمن العام الذي دخل حديثاً الى هذا المضمار، فضلاً عن تعاون الشعب مع الأجهزة وتمكّنها من كشف الشبكات الإرهابية قبل تنفيذ العمليات وليس بعدها»، مشدّدة على أن هذه الإنجازات كانت نتيجة عدم تدخّل السياسة بالأمن واحتراف لدى الأجهزة، لكن لا يزال التهديد موجوداً وفي المقابل قدرة المواجهة على إحباط العمليات عالية جداً»، وتخوّفت المصادر من تحول مخيم عين الحلوة الى ملجأ لقيادات داعش الارهابية وغرفة عمليات لهم».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى