هل تدلّ هذه الإشارات أنّ عون رئيس… «قريباً»؟
روزانا رمّال
اقتنع اللبنانيون ومعهم التيار الوطني الحر «حديثاً» بأنّ رئاسة الجهورية في لبنان ليست قراراً محلياً، مهما حاول التيار الالتفاف حول عدم الخضوع لخيارات الخارج او عدم السماح لأيّ عامل اقليمي او دولي بالتدخل في الملفات الداخلية الاساسية. وهذا ما يبدو بديهياً في اي ممارسة سياسية، لكن الامر لم يعد وارداً باعتراف التيار الذي يخوض مفاوضات دقيقة من اجل التوصل الى شكل التفاهم الممكن على الرئاسة. وهو مضطر على هذا الاساس للتحاور مع الفريق السعودي في لبنان المتمثل بالرئيس سعد الحريري رئيس تيار المستقبل، وهو صاحب أكبر كتلة نيابية قادرة بوزنها على حسم هوية الرئيس المقبل.
اضطر العماد عون وفريقه للمسايرة في بعض المحطات إدراكاً منهم انّ السياسة تطلب هذا في وقت لم يعد ممكناً الوقوف عند تفاصيل قادرة على إفساد كلّ ما تمّ التحضير له في الشهرين الماضيين وصولاً للحظة بات العماد عون قاب قوسين او ادنى من الرئاسة، حسب مصدر بالتيار الوطني الحر، والذي يؤكد اقتراب عون من قصر بعبدا أكثر من ايّ وقت مضى، وعلى هذا الاساس يعلن التيار رسمياً الخروج من عقدة اللبننة والتحرّر التي حكمت عليه بالإعدام في فترة المكابرة والعناد السياسي، حيث لا مبادئ مع افرقاء من هذا النوع.
ربما يطمح التيار الوطني الحر الى التغيير هذه المرة، ومن غير المعروف اذا كانت الظروف ستحالفه في إنجاز هذا التغيير، واذا كان هذا لا يزال حلماً جدياً يجول في خاطر الجنرال، فانّ عليه ان يعود في كلّ مرة يقرّر فيها الإصلاح الى لحظة عصيبة عاشها في مفاوضات مع الحريري او بري او جنبلاط سعى جاهداً لإنجاحها لانتخابه رئيساً. فهل هو مستعد للتقدم نصف الطريق والتنازل حيث الممكن قبل الرئاسة وما يحتمه هذا من جميل قادر على إعاقة حركته السياسية والرئاسية؟
ربما من المبكر بالنسبة للمتشائمين التحدث عن هذه اللحظة، على ما يشير مصدر مقرب من تيار المستقبل الذي يؤكد وجود تباينات في كتلة الحريري وخلافات حول الإعلان عن ترشيح عون ينقضها مصدر متابع في 8 آذار لـ «البناء» فيقول: «كلّ شيء بات جاهزاً لانتخاب عون رئيساً، فما يجري في المنطقة يمهّد بشكل واضح الى امكانية ان يصبح هذا الأمر واقعاً في غضون ايام، علينا مراقبة ما يجري على الساحة السورية والعراقية واليمنية فكل شيء يسير وفق اجندة دولية واحدة، واذا كان على اللبنانيين الانتظار فعليهم انتظار «سلة» الخارج التي انطلقت عجلتها بشكل سريع في اليومين الماضيين».
وإذا كان على عون انتظار ما سيحصل في الجوار، فماذا عساها تكون تلك المؤشرات القادرة على إعلاء نسب وصوله الى الرئاسة وهل هي ثابتة المعالم؟
تحتلّ العمليات العسكرية في الموصل الحيّز الأكبر من الاهتمام الدولي والإقليمي اليوم بعد الإعلان العام والشامل من الحكومة العراقية وحلفائها، وصولاً للحشد الشعبي على تنفيذ المهمة الموكلة اليها بتطهير المنطقة من داعش. كل هذا على وقع تحولات سياسية كشف عنها مؤتمر لوزان في سويسرا الذي شكل نقطة أكدت أن الاتفاق الأميركي الروسي الأخير حول سورية لم يُلغَ، وأنه الإطار المؤسس للعملية السياسية في سورية، فلفت في لوزان إلى أن أموراً أساسية اولها حضور السعودية الى جانب ايران حول الطاولة نفسها، وثانياً استدعاء مصر لحضور الاجتماع المخصص لسورية بشكل لافت، رغم امتعاض المملكة العربية السعودية على ما أشارت الأجواء.
امتعاض المملكة لم يردع الجانب المصري الذي يبدو وكأنه يترجم سياسية «مظلة» جديدة تلوح بالأفق، وهي مظلة الوسطية التي تحدث عنها الرئيس المصري منذ يومين لجريدة «الحياة» ليتمّ الإعلان في اليوم التالي عن لقاء جمع اللواء علي المملوك في مصر بقيادات أمنية ورسمية بعد زيارات ثلاث غير معلنة له. وعلى هذا الأساس أعلن الطرفان ما يشبه التطبيع مع النظام السوري، علناً وبداية عهد جديد يجعل من مصر فاعلة في قلب المعادلة السياسية السورية مستفيدة من الوسطية التي وضعت نفسها ضمن إطارها.
التقارب المصري الإيراني جزء أساسي مما يقلق المملكة. وهو جزء يجعلها أكثر اقتراباً من فكرتين أساسيتين لاستثمار أي نقطة ووضعها في رصيدها كنفوذ في المنطقة قبل فوات الأوان وهما:
اولاً: المسارعة للقبول بالطلب الأميركي بوقف اطلاق النار في اليمن في غضون الأيام المقبلة للبدء بعملية المفاوضات السياسية.
وثانياً: القبول بالتسوية الاستثنائية التي طرحها حزب الله على شكل سلة تأتي بحليفه في لبنان العماد ميشال عون بانتخابه رئيساً للجمهورية مقابل الرئيس سعد الحريري مجدداً رئيساً لمجلس الوزراء.
تبدو مسألة وقف إطلاق النار باليمن خطوة ضرورية بالنسبة للسعودية، على ما أعلنه وزير خارجيتها عادل الجبير، وما يوحيه من استعداد بلاده لوقف إطلاق النار. وعلى هذا الأساس فإن أي رغبة سعودية بحلّ يمني قريب هي إعلان نيات واضحة بالمنطقة تدرك الرياض أنه لا يقتصر على هذا الملف بل يتعداه لمراكز نفوذها المتبقية فيأتي الدور السعودي في لبنان الذي بدأ يضمحل تدريجياً ما يعني أن فرصة قبولها بإنعاشه لن تكون إلا عبر الرئيس الحريري، حيث لا بديل يحفظ نقاطتها المتداعية إقليمياً ودولياً وحقوقياً.
ينتظر العماد عون مجموع هذه المؤشرات ويرسم صورة الأيام المقبلة فيقرأ معها إيجابية المشهد…