سيد الإليزيه… وشعبية الحضيض؟

د. تركي صقر

لم تصل شعبية ساكن قصر الإليزيه الرئيس فرانسوا هولاند إلى الحضيض لسبب واحد فقط هو الكتاب الفضائحي لتريافيلير تحت عنوان «ميرسي بور سو مومان» شكراً لهذه اللحظة حيث تروي الصحافية الفرنسية كيف أنها اطلعت مطلع العام الماضي على خيانتها من الرئيس فرنسوا هولاند شريك حياتها حينها بعلاقته مع الممثلة جولي غاييه بل هناك أسباب أخرى كثيرة أدت إلى تدني شعبيته فوصلت في آخر استطلاع للرأي العام الفرنسي إلى أقل من 13 في المئة وهي في تدهور مستمر قد تنحدر إلى 5 في المئة في حالة لم يسبق لأي رئيس فرنسي قد وصل إليها. والسبب الأساسي إضافة إلى أسباب أخرى أن هولاند ووزير خارجيته فابيوس جعلا من السياسة الفرنسية ذيلاً للسياسة الأميركية وتابعاً صغيراً لها بل أن فابيوس حول «الكي دوسيه» إلى دائرة من دوائر الخارجية الأميركية تأتمر بأمرها وتنصاع أيضاً لما يأتيها من الخارجية «الإسرائيلية» وبذلك تقزمت فرنسا وغدت لعبة بيد الدوائر الصهيوأميركية وأداة تخدم مشاريعها ولا تخدم المصالح الوطنية للفرنسيين الذين باتوا يشعرون بتراجع الدور العالمي لفرنسا وهبوطهم من مستوى الدول العظمى إلى حد انعدام التأثير المستقل في المشهد الدولي الراهن.

لقد حاول هولاند أن يصدر أزماته الداخلية السياسية والشخصية الأخلاقية وفشله الاقتصادي إلى الخارج من خلال التعلق بحبال الحروب الإرهابية. وبالمناسبة وصل التدهور الاقتصادي في فرنسا إلى مستويات غير مسبوقة، فنسبة البطالة تجاوزت 10 في المئة والتي تقترب من الرقم القياسي فضلاً عن تضاؤل دورها في منطقة اليورو وتأتى هذا نتيجة التبعية المطلقة للولايات المتحدة وفقدان القرار المستقل الذي كان يميز السياسة الفرنسية منذ عهد شارل ديغول. وفي سياق هذه التبعية زجت واشنطن فرنسا في حروب الفوضى المدمرة التي أشعلتها في دول ما يسمى الربيع العربي. وظهر هذا الدور أكثر ما ظهر في ليبيا وعدوان الناتو عليها الذي كانت فرنسا رأس الحربة فيه كما ظهر في دورها المعادي والحاقد على سورية وتبنيها للمعارضة العميلة وتسليحها لعدد من الجهات الإرهابية بتمويل سعودي وقطري للاستمرار في قتل السوريين وتدمير دولتهم وبقيت حتى الآن ترعى بنفسها وبالنيابة عن الولايات المتحدة الأميركية ما يسمى مجموعة أصدقاء الشعب السوري وتسمسر لقاء هذه الرعاية للحصول على الأموال الطائلة من دول الخليج.

وحين تفشت ظاهرة الإرهاب انتقلت حكومة هولاند لركوب موجة محاربة الإرهاب وبصورة انتقائية ومسيسة بحسب الأوامر الأميركية وتوجهاتها فبقيت تدعم الإرهابيين في سورية بكل أنواع الدعم بينما دفعت بقواتها إلى مالي في أعماق أفريقيا لمحاربة الإرهاب هناك لقاء وضع يدها على مكامن الثروة من اليورانيوم والمعادن الثمينة وفتح باب الحروب الداخلية التي تستجر بيع الأسلحة الفرنسية لكل الأطراف المتصارعة وسمحت لها واشنطن نتيجة خدماتها للسياسة الأميركية أن تعقد صفقات التسلح الكبرى مع دول الخليج وبخاصة السعودية بالمليارات حيث جرى الاتفاق مع الرياض في زيارة هولاند الأخيرة للمملكة بعقد صفقة بـ25 مليار يورو لتسليح الجيش السعودي وأحيلت الهبة السعودية ذات المليارات الثلاثة لتسليح الجيش اللبناني إلى فرنسا عدا عن حصول هولاند على مليار دولار أثناء الزيارة تنطوي على رشوة له لوقوف فرنسا في وجه الفيتو الروسي والصيني والاستمرار بدعم المعارضة السورية العميلة للسعودية.

إن دعوة داعمي الإرهاب لقيام تحالف دولي لمكافحة التنظيمات الإرهابية وتحديداً تنظيم داعش والنصرة واستثناء تنظيمات أخرى لا تقل عنها إرهاباً كالجبهة الإسلامية التابعة للسعودية وكذلك استثناء سورية من الانضمام إلى هذا التحالف يضع دعوة هولاند ولاحقاً دعوة أوباما والاتحاد الأوروبي في دائرة الشبهة إن لم نقل إنها تفتقر إلى الجدية وصدق النوايا وما هي إلا إصرار على الاستمرار في حملات التضليل والتحريض على سورية وإنكار وتنكر لدورها المفصلي في مواجهة التنظيمات الإرهابية والقضاء عليها فيما أجمعت معظم الأوساط السياسية والديبلوماسية ووسائل الإعلام في الغرب وأميركا وفرنسا ذاتها أنه لا يمكن محاربة الإرهاب في المنطقة بمعزل عن سورية.

لا يمكن تفسير شدة حماسة ساكن الاليزيه وحلفائه باستبعاد سورية من الشراكة في مكافحة الإرهاب وهي المعنية الأولى بهذا الأمر إلا باحتمالات ثلاثة: أولها رغبة هذه الأطراف التي أوجدت بالأصل التنظيمات الإرهابية بإطالة عمر الحروب الإرهابية لجني أقصى المكاسب من جرائها. وثانيها استمرار سياسة الابتزاز الأميركية وسياسة السمسرة الفرنسية لفتح مخازن الأسلحة فيهما على مصاريعها لمعالجة أزماتها الاقتصادية والمالية الخانقة من عائداتها. وثالثها توظيف التنظيمات الإرهابية التي تسميها معتدلة لتحويل القرار 2170 إلى منصة تحالف دولي يؤدي إلى تضييق الخناق على النظام السياسي في سورية بهدف إسقاطه عسكرياً وسياسياً.

ولكن ما عجزوا عن تحقيقه بالحرب الإرهابية الكونية خلال ما يزيد على ثلاث سنوات ونصف على سورية لن يقدروا على تحقيقه بالتحايل المكشوف والالتفاف الفاضح على القرارات الدولية.

tu.saqr gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى