بين الموصل وحلب: «ترانسفير» «داعشي» وعودة
داليدا المولى
لا تنفصل ،من حيث الاستراتيجية العسكرية، عملية تحرير الموصل عن عملية تحرير شرقي حلب ووضع كلّ من دير الزور والرقة، في وقت لاحق. الحدود المفتوحة بين الكيانين والتسهيلات الأميركية التي تحظى بها قوافل «داعش» خلال خروجها من جهة غربي الموصل، إلى دير الزور والرقة، في مسعى أميركي واضح لخلق جبهة عسكرية قوية فيها، تكون على تماس مع الجيش السوري، في منطقة السخنة وتدمر، من جهة، وعلى حدود حلب المحرّرة، من جهة أخرى، حيث يعزز الجيش تواجده.
أرتال «داعش» المتوجهة من الموصل إلى الأراضي الشامية، لا تبشر بأنّ هناك حسماً دولياً فعلياً لوضع هذا التنظيم الإرهابي، في ظلّ امتناع سلاح الطيران الأميركي عن ضربها وهو المشارك، بشكل مباشر، في عمليات الجيش العراقي في الموصل. «ترانسفير» جديد يمارس إذاً لمقاتلي «داعش» وهذه المرة من العراق باتجاه الشام، في عملية مدروسة أميركياً و»إسرائيلياً» لاستنزاف الوقت، في مواجهة الجيش الشامي.
لا شكّ أنّ تبعات هذا الانتقال الـ»داعشي» الممنهج، ستتمظهر على الجانبين الشامي والعراقي:
أولاً: خلق منطقة عسكرية محصّنة لتنظيم «داعش» في دير الزور. وتباعاً، في الرقة ولو أقلّ ثقلاً من ناحية العتاد والعديد.
ثانياً: استعمال هذه المنطقة أمام الجيش الشامي، في حرب استنزاف الوقت الذي يمارَس عليه، بعد خسارة الولايات المتحدة الأميركية ورقة حلب، إثر العملية العسكرية الشامية الروسية المقرّرة بشكل نهائي لإخراج «داعش» من كلّ المدينة.
ثالثاً: ورقة محور دير الزور الرقة، ستبرز كبديل عن ورقة حلب، في التفاوض الدولي بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية، حول الشام. وسيُعاد طرح جميع الملفات الإنسانية وغيرها، في سياق الإبقاء على الأزمة السورية لأطول وقت ممكن. وبأكبر خسارة ممكنة.
رابعاً: وضع منطقة غرب الموصل بشكل دائم، أمام خطر إعادة تفعيل تنظيم «داعش» فيها، في أيّ وقت. وبالتالي، بقاء إمكانية الرجوع في العراق إلى المربع الأول.
إنّ حرب المصالح الدولية الدائرة على جبهتي الموصل وحلب، تضع موازين حدود الانتصارات، أو الانكسارات، التي قد يتحمّلها التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة، من جهة وروسيا وحلفائها، من جهة أخرى، فتنظيم «داعش» الذي سيستعمل لوقت طويل كحجر زاوية في اللعب بأوراق المنطقة، ليس من مصلحة اميركا إنهاءه بهذه السهولة، فلو كانت الأخيرة جادّة في محاربة «داعش» وإنهاء وجوده في العراق، ليس عليها سوى توجيه ضربات جوية لآليات «داعش» المنتقلة من غربي الموصل إلى الشام. وهي وحدها، القادرة على تأمين الحدود بين الشام والعراق، في هذه المرحلة. أو الذهاب إلى اتفاق جدّي مع الروس ولو تحت الطاولة، يقضي بعدم السماح لمقاتلي «داعش» بالتوزّع بين دير الزور والرقة وإغلاق معابر التمويل. إلا أنّ الواقع يبرهن خلاف ذلك، فالولايات المتحدة ماضية بتوزيع المهام بين «داعش» والتحالف الدولي، في حربها لإعادة رسم جغرافيا جديدة لكيانات المنطقة، تضمن لها سيطرة طويلة الأمد وأماناً لكيان العدو وأوراق ضغط في لقاءاتها مع روسيا، التي لا تبدو في مزاج جيد لإعطاء المفوض الأميركي المزيد من المكاسب.