لماذا صعّد أردوغان في الموصل؟
د. هدى رزق
قال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية إنّ لتركيا مخاوف أمنية مشروعة في العراق، لكن واشنطن كانت واضحة حين قالت إنه لا يمكن للجيش التركي دخول الموصل ما دام لم توافق بغداد على ذلك، وأكد انه تمّ العمل من وراء الكواليس لكي يتوصل الاتراك والعراقيون إلى تفاهم، فيما شدّد اشتون كارتر وزير الدفاع الأميركي على وجوب احترام تركيا لسيادة العراق.
امتعض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من موقف الولايات المتحدة، فهو جزء من حلف الناتو ويريد ان يكون جزءاً من عملية الموصل. هو يحظى داخلياً بدعم من القوميين والإسلاميين على حدّ سواء الذين يعتقدون بانها مسألة كرامة وطنية تماماً، كما قال لهم في خطابه.
لا شك في أنّ مصداقية أردوغان الداخلية على المحكّ لأنّ جمهوره يصدّق أنه سيتمّ إعطاء الموصل لتركيا وبأنها ستحدّد مستقبل هذه المدينة إذا ما كان الجيش التركي جزءاً من هذه العملية.
من السهل على أردوغان إقناع الإسلاميين، المقتنعين أساساً بما يقوله زعيمهم. وهم يعتقدون تماماً أنّ الحشد الشعبي يريد العبث بالتركيبة السكانية للمدينة، وانّ تركيا ستدافع عن هذه المدينة ذات الأغلبية السنية، الا انّ حديثه حول حماية حقوق التركمان في الموصل لم يعد مقنعاً لأنه لا يعطي أهمية للتركمان الشيعة لا في العراق ولا في سورية، بل يراهن فقط على التركمان السنة، الذين يمكن فهم توجههم نحو القيادات الشيعية العراقية، ووقوفهم الى جانب الجيش العراقي.
ليست كلّ تركيا على اقتناع بفحوى خطابات أردوغان النارية، فهناك مَن يتساءل عن مغزى إرسال جنود الى الموصل وأسباب معاداة العراق وجلب المزيد من المشاكل الى الداخل واستجرار الإرهاب اليها.
من الواضح بالنسبة لهم أنّ تركيا يمكن ان تلعب دوراً لكنه ثانوي، اذا ما سمح لها، وهي اليوم أنجزت اتفاقاً مع قوات التحالف حول مشاركتها في القصف الجوي في العراق بعد ان زار وزير الدفاع التركي الولايات المتحدة ولقاءات الجنرال خلوصي مع الجنرالات الأميركيين.
لم تتنازل بغداد عن قرارها بعدم مشاركة الجيش التركي في المعارك. فيما استدعت ايران السفير التركي وأبدت قلقها من التصريحات غير الدبلوماسية لأردوغان ومن غير المرجح أن تعطي هذه المشاركة أنقرة دوراً تتوقعه على طاولة المفاوضات كما صرّح الرئيس التركي، الذي هدّد بغداد وأطلق التصريحات النقدية ضدّ الولايات المتحدة واوروبا كما لو كان بمقدوره تغيير مواقفهم، ولوّح لهم بانه سينتقل الى المحور الروسي. لم يتبقّ لأردوغان سوى مسعود البرزاني الذي سيميل الى الكفة الراجحة، لا سيما أنّ تركيا أبدت أكثر من مرة طمعاً بنفط كركوك ما أزعج الأكراد، بعدما لوّح القوميون الأتراك بأهميته الاقتصادية بالنسبة لهم.
يبقى أردوغان حريصاً على أن يكون جزءاً من العملية لأسباب داخلية أيضاً، فهو اليوم يغازل القوميين الأتراك وعينه على النظام الرئاسي ومن أجل ذلك هو بحاجة الى انتصارات خارجية في سورية والعراق وإلا فقد معنى تدخله في هذين البلدين وخرج بكفَّي حُنين من «ثورات الربيع العربي»، لا بل ستبدو تركيا كدولة وظيفية استجرّ اليها حزب العدالة والتنمية الإرهاب وضرب أمنها الاقليمي، لذلك نراه يلوّح بإقامة منطقة آمنة. لطالما وعد الداخل بإقامتها من أجل اللاجئين السوريين ومن أجل المعارضة السورية التي يدعم، هو بحاجة الى إنجازات في الخارج لصرفها في الداخل، لم تخفِ الولايات المتحدة اضطرابها من تعميق الخلاف بين أنقرة وبغداد اللتين تتفاوضان على اتفاق مكوّن من خمس أو ست نقاط لتوضيح الوضع الحالي ومستقبل القوات التركية في معسكر الجيش في عشيقة القريبة من الموصل. ردّدت تركيا طلبها بعدم مشاركة الحشد الشعبي العراقي في الدخول الى الموصل، كذلك رفضت مشاركة عناصر من حزب العمال الكردستاني او القوات التي درّبتها في منطقة سنجار.
هذه القضايا الثلاث الرئيسية نوقشت خلال زيارة الوفد العراقي الى تركيا. توصل الطرفان الى اتفاق عامّ أرادته أنقرة مكتوباً وأعربت عن خشيتها من تدخل إيران، كما عرضت على العراق الاستعانة بالقوات التركية الموجودة في بعشيقة في معركة الموصل. لم تنجح تركيا في هذه بفرض قواتها وشروطها دبلوماسياً، فهي الشروط نفسها التي نادى بها أردوغان أثناء تهجمه على بغداد التي قبلت التفاوض بعد تدخل الأميركيين. لكن الواضح انّ الولايات المتحدة الاميركية التي رتبت موضوع الموصل مع حكومة بغداد منذ 8 أشهر ليست بوارد تغيير خطتها.
من المرجح أن توافق تركيا على إنهاء العمليات التدريبية في بعشيقة بمجرد انتهاء العملية، وهذا يعني بقاء القوات التركية في بعشيقة دون المشاركة في الدخول الى الموصل.
أُحبط الرئيس التركي من الموقف الأميركي فتركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، وهو غاضب من دعم واشنطن وحدات حماية الشعب الكردي السوري الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي التي تقاتل داعش في سورية. لذلك قامت طائراتها بقصف مواقع لقوات سورية الديمقراطية ووحدات الحماية الكردية في خطوة يمكن اعتبارها تحدياً لواشنطن التي لم تظهر أيّ ردّ فعل.
بالرغم من تصريحات بن علي يلدريم أنّ تركيا ستكثر من الأصدقاء بعد استبعاد أحمد داوود أوغلو ومحاولة تحميله وزر السياسة التركية الخارجية. يعود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى لغة التهديد والتصريحات النارية التي تساعده على الإمساك بشعبيته الداخلية، لكنها في الوقت عينه لا تساعدة في الحصول على أصدقاء. لا يعترف أردوغان بأنّ سياساته في الإقليم قد فشلت وهو يحمّل وزرها الى الآخرين الذين أحرق أوراقهم من أجل البقاء على كرسي الرئاسة التي يريد تتويجها بنظام رئاسي بعد أن خاض غمار الانقلاب على الدولة التركية التي أصرت على النظام البرلماني.