«علي بابا» وصباحات القصيدة المتمنّعة
النمسا ـ طلال مرتضى
أحتضن الصباحَ بإصبعين من شغب المعنى. أستجدي ارتعاش الياسمين المتهدّل على محيّاي مثل ضوءٍ مجعّدٍ سفح على بلاط اللهفة.
في بيروت ـ الغافية على زند ظلّها ـ محاكم قضاتها جائرون. حكموا على اللاجئ العاشق بالشوق المؤبّد حتى الموت.
وأنا أخرج منّي منتصراً عليّ. وقعت عن سابق وشايةٍ في المدى المجدي للقصيدة. عرفت حينئذٍ أن الوقت المتبقّي بين الرصاصة والقُبلة بات قاب شهقتين وعناق.
في الصباح الأوّل من فورة الحبر، قرعت كلّ أبواب الشعر، باباً، باباً.
واربتُ القصائد بدهاءٍ كي أسقط غزالة الوصف في فخّ الغواية.
الشاعر العارف بتضاريس المعاني، يعرف كلّ مكامن رغبتها عن سابق ترحال، لا يتوانى لحظة عن معصية القول، كي يكتب صكّ براءته.
مدّعياً. إذ يتوضّأ بعنبرها تحت سرّة القمر ذات مرّة، أنه الشاعر ذاته. هو يدرك أن الولوج عبر باب معبد النهد أقرب وأقصر الدروب إلى الصلاة!
في وهلة الخشوع الأولى، سمعته يبتهل وعيناه تمعنان الإبحار في جسد الحبكة، مستعيداً عبر شريط الذاكرة قصص «علي بابا» في محاولةٍ بائسةٍ يائسة لاستذكار مفاتيح السرّ.
إنه يعرف تماماً أنّ كلّ كنوزها قد رصدت قبل أن يموت «سليمان الملك»، وأنّ أفعى اللغة تحرس منابع شهوتها.
«اِفتح يا سمسم». كانت كود الحكاية، يعرفها القاصي والداني في الكتابة، لم تعد تجني عسلاً.
إنها الغواية القاتلة. من يبغي الدرّ المكنون، لزاماً عليه تعلّم ركوب بحار الشعر والغوص في غياهب شبهة التأويل.
رأيته دونما موعدٍ يمرّر أصابع حريقه على عمود قفلتها الموزون بالفقرات، كي يثير شجو مفاتنها، مثل عازف نايٍ هنديّ متمرّس. حرّك في أفعى رغبتها، رأيتها تتلوّى تحت قصف أصابع الاشتهاء. أدخلها بلؤم المساجلة فعالية التخييل. فكّت كل أزرارها، مادت بعناقيد لثغها صوب الديوان.
القصيدة الممتلئة من «قاف» القبلة إلى «راء» الرعشة، لا تهيلها لومة شاعر. تدلي بتوت نسوتها طيّ ابتهالاته وهو ساجدٌ في مقام النهد يستجدي قيام القيامة.
في الهزيع الأخير من حريق الكتابة، وقبل القفلة بقليل، رأيت راعي القصيدة ينسلّ متوارياً صوب سهل الرواية الممتنع. كان يهذي، يتمتم، يرتّل، يغنّي، وتارةً يندب حظّه العاثر.
على سرير الرغبة، هالني منظر القصيدة المسجّاة وهي تنزّ حبر الخواتيم.
فوضى العصف عاثت بصفحات الديوان، كانت تصرخ: «زمّلوني… زمّلوني».
وأنا أطبق ضفتيّ الديوان كي أستر عورتها. كان شيطان الشعر العظيم، عند زيح الهامش المنفيّ من الديوان، يراود أفعى القول لتفتح أزرار القصيدة.