«الدولة الشريطية»… وظيفة في خدمة الصهيونية

وليد زيتوني

يتأرجح مشروع السيطرة الأميركية في المشرق العربي بين خيارات متعدّدة ليس آخرها إقامة فيدراليات أو الذهاب إلى إقامة دول شريطية غير مكتملة العناصر تحت عنوان مناطق آمنة خاضعة لنفوذ بعض الدوّل، بديلاً عن مشروع التقسيم المباشر الذي سقط في العراق لصالح مشروع الأقاليم الذي يقع ضمن الاستهداف الأميركي نفسه، وسقط في الشام بالضربة القاضية بعد توسيع نطاق الأمان حول دمشق واسترجاع حمص وحماة والآن حلب.

«الدول الشريطية» التي تحاول أميركا وحلفاؤها إقامتها شمالاً تحت النفوذ التركي في جرابلس ومنبج، وكذلك في الجنوب والجنوب الغربي تحت نفوذ العدو «الإسرائيلي»، هي كناية عن «دول» ذات وظيفة خادمة للدولة الواقعة تحت نفوذها، وانّ منطق الأمور الطبيعية يجعل هذه «الدول» وكأنها لم تكن بمجرد انتهاء الوظيفة التي أنشئت من أجلها.

إنّ التاريخ كفيل بإثبات عدم قدرة هذه الأفعال الكيانية على الاستمرار، وربما نستطيع القول إنّ «سايكس ـ بيكو» أفرزت سابقاً عدداً من هذه الدول منها مات قبل الولادة، ومنها ما بقي عليلاً رغم مرور أكثر من مئة عام على هذه الاتفاقية.

فالدولة العلوية، والدولة الدرزية، ودولة حلب في الشمال السوري لم تر النور نهائياً، والكيانان الأردني واللبناني غير المكتملي عناصر وشروط الدولة ما زالا في غرفة العناية الفائقة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كلّها، كما على مستوى أخذ القرار الذاتي المستقلّ في ما يعني الحفاظ على السيادة. وربما الانتخابات الرئاسية في لبنان نموذح حيّ لضياع هذه السيادة بين الدول الكبرى من جهة والدول الإقليمية التي تتمتع بجزء من النفوذ المحكوم به هذا البلد.

ولا ينأى الأردن كثيراً عن هذا الواقع، فبعد تراجع ضمن مشروع الأردن كوطن بديل، يبدو أنّ هذا المشروع قد أخذ منحى آخر، على قاعدة فيدرالية بين الضفة وغزة وربما جزء من غزة من جهة والأردن من جهة ثانية. ويستهدف في المرحلة الأولى تركيز استثمارات معقولة في الضفة الشرقية تكون عامل جذب اقتصادي وحياتي لفلسطينيّي 48 كما لأبناء الضفة وغزة. وبالتالي يتمّ الترانسفير تحت الضغط المعيشي في فلسطين بينما تشرّع لهم الأبواب في الأردن مع التسهيلات اللازمة للإقامة والحقوق السياسية والاجتماعية. ورغم أنّ هذا المشروع دونه عوائق في ظلّ معارضة شرائح أردنية عديدة رفضاً لطغيان العامل الديموغرافي الفلسطيني.

طبعاً السلطة في الأردن تعلم جيداً مخاطر هذا المشروع، ومع ذلك كانت نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة تحمل في ثناياها رائحة السير في هذا المخطط. ويبدو ايضاً أنّ بعض القوى الفلسطينية بغضّ النظر عن حجمها وأهميتها ودورها الحالي تعمل من ضمن هذا المنطق.

إنّ فقدان السيادة المبني على ارتباط القوى المحلية بقوى خارجية تجعل هذه الكيانات تنفذ أجندات الدول صاحبة النفوذ، وبالتالي تساعد على تحقيق أهدافها المرسومة طبقاً لسياساتها الخارجية، ومنها الولايات المتحدة التي تعمل على ترسيم حدود جديدة تخدم مصالها على أساس خطط برنارد لويس ومراجعة ومتابعة ابراهام ليفي، والقاضية في ما خصّ الأردن بترحيل العائلة الحاكمة وشرائح أردنية إلى شمال السعودية وإقامة إمارة بديلاً عن المملكة الأردنية.

ويطلّ هذا المشروع على اقتطاع قسم من غزة وشمال سيناء لإقامة دولة عازلة، تخدم أمن العدو من الجهة الجنوبية لتكون مع قرينها الترانسفير عاملين أساسيين في تصفية المسألة الفلسطينية لمصلحة الدولة اليهودية العنصرية.

إنّ الردّ الطبيعي هو بالعودة إلى مقولة الوحدة القومية القائمة على الانصهار الاجتماعي المتخطي الحواجز الخشبية التي رسمت حدود الكيانات في أمتنا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى