عاصفة الميدان السوري… تحكم
معن حمية
في وقت تمكّن فيه الجيش السوري وحلفاؤه من تطويق المجموعات الإرهابية في منطقة شرق حلب، وما أحدثه هذا التطويق من تصدّع وانهيار في معنويات الإرهابيّين لامس حدّ الاستسلام للجيش السوري، سارعت الولايات المتحدة الأميركية إلى تليين موقفها، والتلميح بإمكانية السير بالاتفاق الروسي الأميركي الذي ينص في جانب منه على فصل ما تسمّيه واشنطن «معارضة معتدلة» عن المجموعات الإرهابية، وبموازاة ذلك دخل المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا على الخط بمبادرة ملغومة، تقضي بتأمين إخراج دفعة من إرهابيي «النصرة»، والإبقاء على آخرين ومنحهم إدارة ذاتية، ربطاً بالمسار السياسي، وذلك في محاولة منه للالتفاف على النتائج والإنجازات التي حققها الجيش السوري في تلك المنطقة. وهي نتائج تؤدّي حكماً الى تسليم المجموعات الإرهابية بالشروط السورية.
التلميح الأميركي بإمكانية الالتزام بمضمون الاتفاق مع روسيا، ومبادرة دي ميستورا الملغومة والتي تنطوي على دعم وإسناد واضحين للإرهابيين، لم يأتيا من فراغ، بل نتيجة تقدّم الجيش السوري وحلفائه ميدانياً في العديد من المناطق السورية وتحديداً في شرق حلب. وما فاجأ الدول الراعية للإرهاب، ما تناهى اليها من معلومات عن انهيارات كبيرة وسط المجموعات الإرهابية، وأنّ الجيش السوري بمؤازرة روسية استكمل إجراءاته لتنظيف المنطقة من الإرهابيين عبر تأمين ممرات لخروجهم، وممرات أخرى لضمان سلامة المدنيين.
ولأنّ الأميركي يدرك بأنّ تحرير حلب يقصم ظهر بعير الإرهاب وداعميه، ويقوّض مشروعه في المنطقة، أوعز لحلفائه وأدواته بضرورة تنشيط الحديث عن «الهدنة»، كما أوعز بإعادة الحديث عن انتهاكات «حقوق الإنسان»، وتولّت بريطانيا باسم وشنطن وبعض الدول التي ترعى الإرهاب، استصدار قرار عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لا يختلف في مضمونه عن مبادرة دي ميستورا الملغومة، إذ لم نقل بأنه قرار «النصرة» من أجل حماية الإرهابيين في شرق حلب.
ما هو مؤكد أنّ الولايات المتحدة الأميركية بتوزيعها الأدوار على حلفائها وأدواتها، إنما تستهدف رسم مشهدية للأوضاع في سورية على غرار المشهدية التي رسمتها وروّجت لها في بدايات العدوان على سورية، وبأنها أيّ الولايات المتحدة الأميركية معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، ومستعدة لفعل أيّ أمر في هذا السياق، وهذا بمثابة تهديد تلجأ إليه واشنطن كلما شعرت باقتراب هزيمة مشروعها وأدواتها.
وبرغم أنّ واشنطن تحرص على تصنيف نفسها بأنها دولة تحارب الإرهاب وتقود حلفاً دولياً تحت هذا العنوان، إلا أنها تحرص في الوقت ذاته على عدم إلحاق الضرر بالبنى الإرهابية القائمة في سورية وفي العراق، ما يعني أنّ وظيفة الإرهاب في المنطقة لم تنتهِ بعد، وأنّ هناك مصلحة لأميركا وحلفائها وخصوصاً تركيا في الإبقاء على ورقة الإرهاب الى أمد طويل لتحقيق مجموعة أهداف، ناهيك عن أنّ هذه الورقة تمثل مصلحة «إسرائيلية» قبل كلّ شيء.
لكن هل ستنجح واشنطن في حماية ورقة الإرهاب من الاحتراق، في ظلّ قرار الدولة السورية بحسم الوضع سريعاً لمصلحتها في حلب، وهو قرار سيطبّق على كلّ المناطق السورية التي تسيطر عليها المجموعات الإرهابية؟
من المؤكد، أنّ الموقف السوري الذي يحظى بتأييد ودعم من روسيا والحلفاء، بات أكثر حزماً وثقة في التأكيد على مواصلة الحرب ضدّ الإرهاب وداعميه. وفي هذا السياق يأتي الإعلان السوري عن التصدي لأيّ انتهاك تركي للسيادة السورية ومواجهة أيّ خرق للأجواء السورية، على خلفية توغل قوات تركية في الأراضي السورية وتنفيذ غارات جوية على مناطق سورية يقطنها سوريون أكراد، ويعيد الإعلان السوري إلى الأذهان لعنة «السوخوي» الروسية التي أسقطتها تركيا، ما أنتج معادلة لجم لتركيا.
في ضوء القرار السوري بالحسم، المعزّز بوجود أساطيل روسية في المنطقة، يقول الروس إنّ مهامها وأهدافها موضوعة في مغلفات مغلقة لا تفتح إلا حين يتخذ القرار بذلك من القيادة الروسية، لن تقدم الولايات المتحدة الأميركية على خيارات تؤدي إلى مواجهات كبيرة غير محسوبة، وواشنطن لا تزال تواجه محاذير كثيرة نشأت على خلفية الغارات الجوية التي نفّذتها على مواقع الجيش السوري في دير الزور ممهّدة لهجوم شنّه تنظيم «داعش» الإرهابي.
لكن في المقابل، لن تتخلى واشنطن عن لغة التهديد والوعيد، وسيرتفع منسوب الكلام والمواقف عن انتهاك «حقوق الإنسان» وهي تهم جاهزة يستخدمها الغرب عموماً كوسيلة تهديد لفرض شروطه وإملاءاته، وليس أمام واشنطن إلا اللجوء إلى هذه الوسيلة، لتؤمّن طوق نجاة للمجموعات الإرهابية لتبقي على أوراق لها في المنطقة تكون في متناول الرئيس الأميركي الجديد.
ما تسعى إليه واشنطن، قد لا تستطيع تحقيقه، كما أن المحاولات التركية لإقامة «منطقة آمنة» ضمن الأراضي السورية عبر الاحتلال المباشر، هي الأخرى في مهبّ عاصفة الميدان التي يتحكم بها الجيش السوري وحلفاؤه ويحولها إنجازات وانتصارات هي التي تحكم.