العدوّ رقم واحد بين الاستنزاف والاستئصال

عامر نعيم الياس

عشر دول أيّدت واشنطن في تشكيل تحالف دوليّ ضدّ تنظيم «داعش» الإرهابي خلال قمّة الأطلسي في ويلز ـ بريطانيا. لكن لم يعرف حتى اللحظة من هي الدول العشر؟ الأردن كونه دولة من دول الإقليم التابع للإدارة الأميركية لا يريد المشاركة في أيّ تحالف دوليّ ضدّ التنظيم الإرهابي حرصاً على الداخل الأردني، لكنه لم يبدِ أيّ اهتمام بهذا الداخل عندما أبرم اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني، أو عندما شارك في حرب الخليج الأولى ضدّ الرئيس العراقي صدّام حسين الذي كانت نسب التأييد له داخل المملكة الأردنية في ذلك الوقت تتجاوز نسب تأييد «داعش» في صفوف الشباب الأردني، على رغم أنّ «الأمير» الأوّل لهذا التنظيم هو أبو مصعب الزرقاوي الأردني الجنسية.

الأمر لا يقف عند هذا الحدّ، إذ يعارض الرئيس التركي أردوغان أيّ تدخّل دوليّ ضدّ «داعش». أمّا الرئيس الفرنسي هولاند فأعلن أنّ بلاده تشارك في تحالف دوليّ في العراق لا في سورية. فيما تبقى العقدة السورية محل تساؤل في الصحافة الأميركية، فضرب «داعش» غير ممكن في سورية، إذ تقول «واشنطن بوست»: «الولايات المتحدة قلقة من ضرب داعش في سورية… إنّ أيّ محاولة جادّة لتدميرهم وتدمير قدراتهم تعني استهداف بنيتهم التحتية في سورية، وإذا قامت الولايات المتحدة بضربات جويّة ضدّ جماعة الدولة الإسلامية، فإنها ستساهم، عن غير قصد، في تعزيز سلطة الرئيس بشار الأسد».

ما يجري اليوم بشأن سورية والعراق و«داعش» يعيد إلى الذاكرة ما حصل مع الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب ضدّ الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين بين عامَيْ 1990 و1991، كما يعيد إلى الأذهان ما حصل عام 2001 في غمرة تشكيل تحالف دوليّ ضدّ طالبان و«قاعدة» أفغانستان خلال فترة حكم الرئيس جورج بوش الابن. لكن أوباما في سعيه إلى تشكيل هذا التحالف يختلف عمّا سبقه من رؤساء أميركيين بالتالي:

أوّلاً: عدم وجود نيّة للتدخّل العسكري البرّي أقلّه في الوقت الحالي، هذا ما أكّد عليه وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال كلمته في قمّة الناتو.

ثانياً: رهان الإدارة الأميركية على حرب طويلة الأمد منذ البداية، لا توجيه ضربة مركّزة ومحكمة ونهائية ضدّ «داعش»، إذ نقلت الصحافة الغربية عن كيري قوله إنّ استراتيجية القضاء على داعش تستلزم ثلاث سنوات.

ثالثاً: غياب الاستراتيجية الواضحة لهذا التحالف سواء من حيث الشكل أو من حيث الهدف، فالناتو لم يعلن خلال اجتماعه عن أيّ خطّة لمحاربة التنظيم الإرهابي، وهو ما أكّدت عليه صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية عندما أشارت إلى أنّه لم يُتَّفَق على شكل الاستراتيجية. فيما قالت «لوموند»: التحرّك بسرعة أمر اتّفق عليه الجميع، لكن لم يُوضع أيُّ أمرٍ موضع التنفيذ.

رابعاً: عقدة سورية وصمود جيشها بعد 43 شهراً من الحرب الأميركية على الدولة السورية ورئيسها وجيشها والمحور الذي تنتمي إليه.

إذاً، لا تدخل ميدانياً في العراق، ولا اتفاق حول شكل التدخّل في سورية، ولا وضوح في شكل التحالف، أمور تطرح تساؤلات كبرى حول تحالف أوباما لحربه الجديدة على «القاعدة الجديدة» ومدى الجدّية في الحرب عليها، فهل يمكن القضاء على خطر «داعش» من دون وجود قوّات برّية؟ وإذا كان الناتو لا يريد إرسال قوّات برّية، فمن يرسلها؟ هل ترسلها دول جوار العراق وسورية؟ ما هي المدّة الزمنية للحرب، إذا كان الوزير كيري قد وضع لها جدولاً زمنياً مبدئياً لثلاث سنوات؟

الحرب في أفغانستان أو «الحرب الكونية على الإرهاب» التي أطلقها جورج بوش الابن مستمرّة حتى اللحظة على الأرض الأفغانية، 13 سنة ولم تنتهِ بل أفرزت بؤرةً متوترةً أخرى ومركزاً جديداً لقاعدة جديدة تتصارع مع القديمة حول فتاوى الذبح، وضرورة إقامة دولة الخلافة، ورقعة الانتشار. هي حرب استنزاف جديدة تقودها الإدارة الأميركية من الصفوف الأمامية، ليس ضدّ «داعش» فحسب، بل ضدّ المحور المضادّ لواشنطن في المنطقة.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى