حلم السلطنة العثمانية وجنون العظمة
عبد الحكيم مرزوق
بماذا يمكن أن نصف تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة بشأن التدخل التركي في سورية والعراق…؟ هل يمكن القول إنه فقد عقله، أم أنّ فيه مساً من جنون العظمة، وأنّ وضعه أصبح معقداً ولم يعد يدري ماذا يقول أو يفعل…؟ وهل يمكن القول إنّ ما جرى، ويجري حتى الآن هو من ضمن مخطط أميركي للمنطقة، التركي أردوغان أصبح بيدقاً من بيادق الإدارة الأميركية تحركه كيفما تشاء كما تحرك البيادق الأخرى في المنطقة العربية.
لقد بلغ الرئيس التركي بتصريحاته حقيقة حدّ جنون العظمة، وخاصة تلك التي جاءت إثر تحرك القوات العراقية لتحرير الموصل، والتي أعلن فيها مشاركة الجيش التركي بذلك ودخوله إلى العراق، في الوقت الذي أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن عدم حاجة العراقيين للقوات التركية، الأمر الذي جعل أردوغان يخرج عن طوره ويتطاول في تصريحاته بقوله: «إنّ بقاء القوات التركية من عدمه لا يقرّره العراق»! مضيفاً «انّ الحكومة العراقية تجاوزت حدودها»…! أيّ صلف وأية عنجهية يتمتع بهما أردوغان…؟ هل يعقل أن يخرج بتصريحات كهذه ولماذا؟ ومن وراءه حتى يقول ما قال بكلّ تلك الوقاحة والعنجهية…؟ أعتقد أنّ أردوغان لم يفعل هذا من عنده، ولم يكن عابثاً، بل المتتبع للأحداث يدرك أنه قد تلقى أضواء خضراء من الإدارة الأميركية للدخول في العمق السوري والعراقي، وذلك في الوقت الذي امتلكت سورية ناصية القرار وأصبح جيشها يحقق انتصارات مذهلة في الشمال السوري وأنباء المصالحات والتسويات وخروج المسلحين من تلك المنطقة أثارت حفيظة الأميركان، وكذلك نية العراقيين تحرير الموصل وطرد داعش منها… في هذا التوقيت تحرك أردوغان بدعم الأميركان كي يدخل العمق السوري والعراقي، وقد جاء الردّ مباشراً من سورية التي اعتبرت أنها لن تتهاون مع أيّ تحليق للطيران التركي فوق السماء السورية، وستعتبره اعتداءً سافراً في حين أعلنت العراق عن رفضها دخول الأتراك في معركة تحرير الموصل… الأمر الذي استفزّ أردوغان وعلا صراخه وتطاول في تصريحاته في الوقت الذي كان أشتون كارتر وزير الدفاع الأميركي في زيارة مفاجئة للعراق للتوسط بين بغداد وأنقرة بشأن معركة الموصل والنتيجة كانت رفض العراق للمقترحات الأميركية التي وعدت بمساعدات للعراق في حال قبولها المقترحات.
إذن هي ورطة جديدة لأردوغان ستجعله يسقط في المستنقع السوري والعراقي ليجد نفسه وحيداً في حال استمرّ في عنجهيته وصلفه وسوف يتخلى عنه الأميركان وستكون بلا شك نهايته المحتومة على يد السوريين والعراقيين الذين ستكون لهم كلمتهم في المعارك القادمة، ولا شك بأنّ هذا سينعكس على الداخل التركي الذي سيطيح بالتأكيد بالقيادة الغبية التي أوصلت الأتراك إلى هذا المستنقع الذي لن يخرجوا منه بسهولة.
رجب طيب أردوغان لم يتخلّ عن أوهام السلطنة العثمانية، ولم يستفق من أحلامه باسترجاع تلك الأحلام الخائبة، فهو لا يزال يظنّ أنّ تركيا هي دولة وازنة على الأرض من جراء الورم الذي حقنت به، وأنها ليست بذات الثقل الذي يتوهّمه أردوغانها الذي كشف عن تلك الأحلام بمحاولته الزعم بأنّ الذين جلسوا خلف طاولة المفاوضات في لوزان لم يتمكّنوا من الدفاع عن حقوق الأتراك متوعداً بأنه سيكون على أرض المعركة في العراق في الحرب ضدّ الإرهاب من أجل الجلوس خلف طاولة المفاوضات.
ألا يرى أردوغان أنه هو ومشغلوه هم من يدعمون الإرهاب في المنطقة، وأنه هو من سهّل دخول الإرهابيين والمسلحين وجبهة النصرة وداعش إلى سورية… كيف سيحارب الإرهاب من هو إرهابي وداعم للإرهاب؟
إنّ اسطوانته المشروخة التي يتحدّث فيها عن مؤتمر لوزان والمعاهدة الموقعة 1923 والتي كانت تركيا آنذاك لها ثقلها لم تعد الآن كما كانت، وآن الأوان لأردوغان أن يعرف حجمه وحجم تركيا الطبيعي ويتخلى عن أوهامه التي لن تطعمه خبزاً، وانْ كان هدفه الأول والأخير هو الحصول على المزيد من المكتسبات من أرض جيرانه ولكنه في الواقع لن يكسب سوى الخيبة والخذلان لأنه سيواجه بقوة كبيرة ستمنعه من تحقيق ما يريد في المنطقة.
هل يمكن القول إنّ أردوغان غرق وتورّط في الدخول إلى سورية والعراق…
بلا شك تورّط وسيدفع ثمن هذا التورّط غالياً والأيام المقبلة ستكون حبلى بالمفاجآت.
كاتب وصحافي سوري
Marzok.ab gmail.com