الموصل وما وراءها وأردوغان وأحلامه؟
مصطفى حكمت العراقي
بعد التأكيد المتجدد والرافض القاطع، الذي أعلنته الحكومة العراقية في أكثر من موقف، لجهة عدم مشاركة الجيش التركي في معركة الموصل، يستمر أردوغان في محاولاته اقتحام الوضع العراقي في أكثر من طريقة، آخرها الايحاء التركي باستخدام ورقة المنطقة الآمنة في الشمال العراقي، في سابقة تعيدنا لما كانت أنقرة تريده في سورية، منذ بدء الحرب على الدولة السورية وإلى الآن. ما يؤكد أن أردوغان ماض في مشاريعه المشبوهة.
في الوقت ذاته، تتابع القوات العراقية تقدمها أمام العصابات الارهابية، في ظل انهزام مسلحي «داعش» في الجبهات الجانبية، التي حاولوا إشعالها بغية تخفيف الضغط عن الموصل، كما هو الحال في قضاء الرطبة ومحافظة كركوك، التي تحركت بأوامر تركية، لاشعال حرب طائفية أساسها صراع المكونات. كل ذلك، ترافق مع تصريحات أطلقها وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الذي أعاد الكلام عن نية بلاده إنشاء منطقة عازلة على الحدود مع العراق، بهدف منع مسلحي «حزب العمال الكردستاني» من التسلل إلى داخل الأراضي التركية، حسب قوله.
وأضاف، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي، جان مارك ايرولت، في أنقرة، أن تركيا ستنشط أكثر في قتال «حزب العمال الكردستاني» في العراق. مشيراً إلى أن بلاده لن تسمح لمسلحي «الكردستاني» بجعل منطقة سنجار بمحافظة نينوى العراقية معقلًا لهم. مشدداً على أن تركيا ستتدخل بفعالية ضد المسلحين في العراق، من خلال حقوقها وصلاحياتها النابعة من القانون الدولي.
وفي بغداد، أكد رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، أن مشاركة القوات التركية في عملية تحرير الموصل «ادعاء باطل» لا صحة له.
بدورها، نفت وزارة «البشمركة» في إقليم كردستان، وجود أي تعاون مع القوات التركية، في ما يتعلق بعملية تحرير الموصل. في اشارة لما صرح به رئيس الوزراء التركي، بن علي يلديريم، الذي قال إن المدفعية التركية تساعد قوات «البشمركة» التي تقاتل تنظيم «داعش» قرب معسكر بعشيقة، في محافظة نينوى، مشيراً إلى أن ذلك جاء بطلب من «البشمركة» ذاتها.
مصادر أمنية واستخبارية بدورها، اطلعت «البناء» على خطة بديلة قد يتخذها التنظيم الارهابي، لما بعد هزيمته الوشيكة في الموصل. وأشارت إلى أن التنظيم يملك خطة للطوارئ، سيلجأ إليها بعد هزيمته في الموصل، سمتها الابرز هي الانسحاب نحو الصحراء في الشرق السوري وفي جزيرة الانبار، تحضيرا للقادم، أن لم يتم القضاء عليه نهائيا، في سيناريو يعيدنا لما حصل مع الجيل الثاني من تنظيم «القاعدة»، الذي أعلن عن نهايته عام 2006 في العراق. لكن الحقيقة كانت ترحيلهم وتجميعهم في الصحراء، بين العامين 2007 و2013 ليعاد استعمالهم في 2014 . وهذا ما قد يحدث مجدداً أن استمر التغاضي الاميركي وبقي القرار العراقي الحكومي مرهونا بالموافقة الاميركية، التي تتجاهل تنقل الارهابين الحر بين الشرق السوري والشمال العراقي، بالاضافة إلى بقاء بؤر واسعة تحوي عتاة الارهاب في قضاء الحويجة ومناطق شاسعة من جزيرة الرمادي وخير دليل على ذلك، هي مهاجمة «داعش» الاخيرة لقضاء الرطبة، غرب العراق. وما حصل مسبقا في كركوك. وهو ما يمهد لأيام صعبة تلي تطهير الموصل، لأن تبعات معركة الموصل قد تمهد لفتح باب أوسع أمام أنشاء الاقاليم، ما يمهد لتقسيم فعلي وإن لم يكن رسمياً، في ظل قيادات سياسية في الداخل والخارج، تمهد، منذ سنوات، للاتجاه نحو أقاليم طائفية وإنشاء إقليم على حدود سورية، ما سيكون مانعا لحلقة التواصل بين طهران ودمشق، عبر بغداد وصولا لبيروت. ومن هنا، كان الهدف لأنشاء «داعش» واتخاذها من شمال العراق وصولا لغربه، مناطق نفوذ أساسية. كما أن النازحين الذين أصبحوا ضحايا التهجير والتطهير الإثني والعرقي، من «داعش» ومن قوات «البيشمركة» التي بدأت بالتهجير من قرى الموصل العربية، منذ سنتين وأعادت ذلك قبل أيام قليلة في كركوك، لتؤكد حكومة «إقليم كردستان» سعيها في استغلال الحرب ضد «داعش» لتتمدد وتزيد مساحة الأراضي التي تسيطر عليها منذ 2014 بنسبة قد تصل إلى 40 في المئة.
والأمر مستمر إلى الآن في سهل نينوى، الذي تتهافت عليه مشاريع تقسيم يتم تداولها منذ سنوات، بدواعي حماية الاقليات واقامة «إقليم للكلدو آشوريين» وغيره لباقي الاقليات، حتى تحدث البعض عن تقسيم المحافظة لست محافظات صغيرة، أو حتى إقامة مناطق آمنة تحت حماية دولية.
فالدولة العراقية بحاجة إلى إعادة الثقة بها، لكي تستطيع القيام بمهماتها وواجباتها. وأولى واجباتها حماية وحدة البلد والحفاظ على سيادته، من مشاريع أردوغان الهدامة ومشاريع الولايات المتحدة، التي تريد انتصاراً شكلياً يكون بوابة لفوز الحزب الديمقراطي، الذي أوجد «داعش»، بأعتراف المرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون. فالتقسيم سيكون أشدّ تأثيراً من «داعش» ذاتها. واقامة الاقاليم الطائفية في هكذا توقيت، ستكون خدعة لتشجيع الطوائف لمزيد من التهجير من مناطق كانت متنوعة. والآن وبعد التحرير، قد يكون لكل طائفة محافظة وهنا سيتحقق ما وجدت لأجله «داعش».