قالت له

قالت له: هل ينتقص في الحبّ فارق المكان أم العمر أم الأوقات أكثر؟

فقال لها: الفوارق القاتلة في الحبّ ليست ظروفاً. وهذه كلها ظروف. فالقواتل فوارق العقول والتطلعات والطباع. وماذا يريد وكيف يدير كلّ من الحبيبين ما يريد مع من يريد.

فقالت له: وإن تطابقت هذه التي تراها فوارق، أي من التي حدّثتك عنها تصيب الحبّ أكثر؟

فقال لها: أنت تستعجلين الأمور لأن في حسابك واحداً منها يأتي من نظرتك وطباعك. وربما لا مكان لمثلها في حساب الحبيب. وهنا تصير للفوارق قيمة لا لذاتها، لفارق النظر إليها. والنظر هنا كاشف لما خلفه من تطلّعات وطباع وحساب، فقد يبدأ منها وحولها نقاش سرعان ما يصير الجدل حوله جدلاً حول جدّية الحبّ نفسه بعين أحد الحبيبين، وتلقّيه موقفَ الآخر.

فقالت: هذا ما أردت أن أسألك حوله حيث لا أراك مهتماً بأيّ فارق. بينما تقلقني كلّ الفوارق إذا حضرت، وأتساءل عن فرص الحبّ وكيف يحيا بوجودها، وهل يؤدّي هذا الوجود للفوارق إلى البحث عن حبّ لا فوارق فيه؟ أو فيه ما هو أقل منها؟

فقال: لا، الفرق كبير بين أن يكون هذا قلق الحبيب على الحبّ وهو فعل اهتمام وحرص، وبين أن يصير فعل شكّ وادّعاء بالتفوّق في الاهتمام.

فقالت: إنه كلاهما.

فقال: وكيف تسيطرين على الفوارق ليحيا الحبّ؟

قالت: لا أدّعي سيطرة بل أقول خشية الوقوع في الفشل.

فقال: وهل تستشعرين إشارات للفشل؟

فقالت: لا.

فقال لها: ولِمَ تستبقين ما قد لا يحدث بقرع طبول حدوثه؟ فهل تخشين الموت؟

فقالت: نعم.

فقال: وكيف تتأقلمين مع حتمية وقوعه وتكملين الحياة بطموحات وفرح وهو آت؟

فقالت: لأننا إن عشنا هاجس الموت وتجمّدنا عنده متنا من الخوف واليأس قبل الأوان.

فقال لها: وهكذا في الحبّ، فلو سلّمنا بكونه عرضة للفشل أو الموت، لماذا لا ننتبه أن الجدل والشك عوامل استعجال وربما افتعال لفشل لن يأتي بالضرورة؟ لكننا نفتح له الباب ونوجّه له الدعوة الرسمية للحضور المستعجل. ونحن نتوهم أننا نحمي الحبّ منه. فتعالي نعيش فرح الحبّ طالما هو نابع من القلب، وندع الأشياء لأوقاتها. فكل موت نعيشه هاجساً قبل حلوله استعجال لحضوره، وفعل هدم لا بناء، وغباء لا ذكاء. نبكي الأحزان عند وقوعها، فكم من مريض إن بكيناه قيل لنا فأل سوء، وكم من معرّض للخطر تخطّاه؟

فقالت: أقنعتني، لكن استخفافك أخافني أكثر من خوفي. فلنقف هنا خشية أن أخاف من برود معادلاتك أكثر. فقد توقّعت منك أن تقول لا يفرق بيننا لا عمر ولا مكان ولا زمان، فإذ بك تتلو محاضرة في الرياضيات والمنطق. وتكفي منك كلمة لا تخافي، ما بيننا أقوى من الظروف والأعمار والمسافات وأوقاتنا المتشابكة والمضطربة.

فقال لها: أتشعرين أنه اقوى أم تخشين ألا يكون؟

فقالت: لو تضمّني بدلاً من أن تمارس عليّ هذا الجنون، وتمارس سادية العقل بفنون، وما أردته ضمّة من قلب حنون.

فقال: الغضب طبع فهل أصابك؟ والاستفزاز طبع فهل أثرت أعصابك؟ وهذه طباعنا المتفارقة فهل تخشين منها؟

فهمّت بالرحيل، وسارع إلى ضمّها قائلاً: يكفي تمرين اليوم في المشاغبة، وتذكّري لك مثلها مع كلّ معاتبة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى