خطط تركيا في سورية والموصل
د. هدى رزق
لن يتراجع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن تطهير منبج من قوات «حزب الاتحاد الديمقرطي»، فهو يعتبر قوات الحماية الكردية امتداداً سورياً لـ«حزب العمال الكردستاني» وتهديداً رئيسياً لتركيا. وهو يتكئ في اجتياحه الحدود السورية، على اتفاقية أضنة التي عقدت بين سورية وتركيا عام 1998. وبموجبها، يحق لتركيا الدفاع عن حدودها ضدّ الإرهاب. وهو حدّد الإرهاب بـ«داعش» و«حزب العمال الكردستاني». وكان أخذ وعدا من الرئيس الأميركي باراك أوباما، في أيار الماضي، بأن قوات «حزب الاتحاد الديمقراطي» ستغادر منبج لاحقاً وتتراجع إلى الشرق من نهر الفرات.
الا انّ الأمر لم يحصل، فدخلت القوات التركية سورية لدعم «الجيش السوري الحر». وسيطرت على مدينة جرابلس. وكذلك، على دابق، حيث انسحب «داعش» إلى بلدة الباب.
سيطرت تركيا، في نهاية المطاف، على مساحة 90 كلم عرضا و20 إلى 25 كلم في العمق. ضربت وحدات «حزب الاتحاد الديمقراطي» في القطاع الغربي من هذه المنطقة، بعد محاولة الأخير للتحرك نحو بلدة الباب، التي تشكل مفتاح مستقبل سورية وتقع على الطريق بين منبج وحلب. «حزب الاتحاد الديمقراطي» لا يريد من القوات المدعومة من تركيا أن تأخذ الباب، لأنّ من شأن ذلك أن يخلق إسفيناً بين المناطق الخاضعة لسيطرتهم، عفرين في غرب سورية وكوباني عين العرب إلى الشرق من نهر الفرات. أما الأميركيون، فلا يريدون أن يأخذ «حزب الاتحاد الديمقراطي» منطقة الباب، لكنهم غير مهتمّين بغرب سورية.
أما تركيا، فهي غير مهتمة بالرقة، البعيدة 120 كلم من حدودها. بينما صرّح الاميركيون بانّ الأكراد سوف يشاركون في هذه المعركة، من أجل تحفيز الأتراك على المشاركة، لكن تركيا، على لسان رئيسها، قالت للأميركيين: تخلوا عن الأكراد نساعدكم في الرقة. لكن الحقيقة أنّ عين تركيا على تل أبيض، لأنها حالياً تحت سيطرة «حزب الاتحاد الديمقراطي». تقول تركيا إنّ الهدف هو منع تسلل «داعش» والاكراد إلى تركيا.
يمكن لوضع يد تركيا على هاتين المدينتين، خلق مشكلة بين أنقرة وواشنطن، بسبب دور «حزب الاتحاد الديمقراطي». فيما يعتبر الامر تخطياً لرأي واشنطن، لا سيما أنّ تركيا هدّدت، على لسان وزير خارجيتها، بأنها قادرة على اتخاذ خطوات لحماية نفسها في سورية والعراق. لكن ما هي خطتها الأخرى في العراق، ما هو التفكير الاستراتيجي لأنقرة حول معركة الموصل في العراق، حتى تطلق العنان للضربات الجوية على الأكراد، المدعومين من الولايات المتحدة في سورية؟ أنقرة تريد أن يكون لها موطئ قدم عندما يتمّ خلط الأوراق في العراق، وإنها سوف تدخل وتكون على الطاولة. هدف أنقرة هو إنشاء مركز قوة مستقلّ للسنة في الموصل، التي تعتقد انها سوف تدرج تحت حكومة إقليم كردستان مسعود البارزاني والتركمان. تريد أنقرة تكرار عملية درع الفرات، التي مكنتها من العودة إلى الملعب في سورية، في العراق باسم «درع دجلة»، لكن الوضع يختلف جذريا، إذ قرّر التحالف أنّ الموصل ستتحرّر بشكل خاص من «داعش» تحت قيادة الولايات المتحدة والقوات العراقية.
الجيش الاميركي يريد الحفاظ على القوات البرية ولا يريد ان تؤثر عليه الأزمة بين أنقرة وبغداد.
يبدو الهدف الاستراتيجي لعملية الموصل هو دفع «داعش» شرقاً، حيث لا توجد قوة برية للتحالف وتوجيهه نحو سورية على محور تلعفر- سنجار. وخلالها، سيتعرّض «داعش» لهجمات ثقيلة جوية من قوات التحالف، مع العلم أنّ الحشد الشعبي أخذ قراراً بتحرير تلعفر.
لماذا اعتبرت تركيا أن من حقها المشاركة؟ الوجود العسكري التركي في العراق يعود إلى العام 2000 . إذ تمّ الحفاظ على كتيبة دبابات تركية مع شركتين في قاعدة بامرني الجوية، لحماية القوات في بعشيقة. وكان لديها كتيبة من الكوماندوس على مقربة من الحدود، بالإضافة إلى ستة فرق من القوات الخاصة المكلفة تدريب البعثات وتجهيزها.
كما أنّ تركيا تحتفظ بمكاتب اتصال للقوات الخاصة في عشر مدن في إقليم كردستان، لا سيما في أربيل، دهوك وزاخو. كلّ هذه القوات العسكرية، لا يمكن أن تنضمّ إلى عملية الموصل مما يغضب انقرة.
أما مخيم بعشيقة، فيستوعب 500 إلى 600 جندي تركي ومدافع «هاوتزر» وصواريخ «ستينغر». تريد أنقرة أن يلعب مخيم بعشيقة الدور الرئيسي في معارك الموصل، من الشمال من بداية عملية الموصل. ما تريده، أيضاً، هو المشاركة النشطة من جانب حرس نينوى، الذي يتكوّن من حوالى 3000 مقاتل من الميليشيات السنية والتركمان والأكراد، تحت قيادة أثيل النجيفي، المحافظ السابق لمحافظة نينوى. لذلك، تريد من بغداد وطهران الاعتراف بدورها.
العقدة الأسياسية، هي أيّ نوع من الحكم سوف يكون في الموصل بعد العملية، كل القوى في المنطقة لديها أهداف مختلفة، البارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان، يريد السيطرة على شمال الموصل. حلم «حزب العمال الكردستاني» هو كانتون في سنجار. النجيفي، يريد استعادة قيادته التي فقدت في الموصل. والقوى الشيعية تريد سيطرة الحكومة على المدينة، مع دعم الولايات المتحدة. تعتقد أنقرة، أنه إذا لم يتدخل «الحشد الشعبي»، أو يتسلل «حزب العمال لكردستاني» إلى الموصل، يمكن أن تعلن القبائل العربية السنية والبارزاني، في الموصل، أنّ ميزان القوى تغيّر ويدعون تركيا وبالتالي، تتولى دورا أكبر في هذا المجال، مدعومة بشرعية هذه الدعوة.
ترى انقرة أنّ عملية «درع الفرات» تسير على ما يرام في شمال سورية، استعادت تركيا مكانة باعتبارها لاعباً رئيسياً هناك، حتى أنّ خطة تركيا في العراق، هي نسخ عن تلك العملية في شمال الموصل. إذا لم تعمل خطط انقرة أ و ب فهي تخطط لإقامة منطقة عازلة على بعد 10 كيلومتر، كما حدث في سورية.
يبدو أنّ المهمة الحقيقية للوفد التركي، الذي زار بغداد، كانت شرح خطة أنقرة بالتفصيل. فهي كانت تريد من بغداد وواشنطن أن تفهم أنّ الخطة الثالثة جدية.