آخر الأوراق وأبواب الجحيم…
معن حمية
الأطماع التركية في الموصل وحلب وما بعدهما لم تعد حبيسة المشاريع النائمة، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تبنّيه لهذه الأطماع والسير بها، إنما اكتشف كلمة سرّ سحرية لاجتذاب الشارع التركي بعدما غرز سكينه المسمومة في صدور الأتراك وانقضّ على عشرات الآلاف منهم وأودعهم السجون وحرمهم من وظائفهم بذريعة الانقلاب الفاشل. ومن الواضح أنّ أردوغان حضّر لهذا الأمر جيداً، عبر تنظيم حملة إعلامية وسياسية لتصوير الأطماع على أنها حقوق، وهي الأطماع التي وأدَتها مقاومة الاستعمار والاحتلال.
يفهم أردوغان جيداً أنّ إحياءه الأطماع التركية التاريخية في بلادنا، والسعي من أجل تحويلها إلى حقيقة، كمن يلعب آخر أوراقه، وهو على دراية تامة بأنّ سلوك هذه الطريق، يرتب تداعيات كارثية، لأنها توصل الى طرق أبواب الجحيم لتفتح على مصراعيها وتلتهم احلامه العبثية.
إنّ إصرار أردوغان على الدفع بقواته داخل الأراضي السورية، أمر لا يستطيع تحمّل تبعاته، وما صدر من مواقف عن القيادة السورية في المستويين السياسي والعسكري، وترجمة هذه المواقف بغارة شنّها سلاح الجو السوري على ما يسمّى قوات «درع الفرات» في شمال حلب، تطوّر يفهمه الأتراك جيداً، ما يعقّد المخطط التركي ويجعله أكثر تعقيداً، ويحوّل التوغل التركي في الأراضي السورية إلى مغامرة غير محسوبة النتائج.
كلّ المؤشرات تدلّ على أنّ الموصل ستخرج حكماً من تحت سيطرة المجموعات الإرهابية، فقد يستمرّ «داعش» في قتال الجيش العراقي أسابيع أو أشهراً قليلة، لكنه في نهاية المطاف سيُهزم، وستكون الموصل بمنأى عن مرمى الأطماع التركية، وبذلك يخسر أردوغان ورقة الموصل، وهذه الخسارة سترتدّ عليه داخلياً، لأنّ الشارع التركي سيستفيق من وهم أحلامه، ليتلمّس نزف الجراح الذي سبّبه له أردوغان باشا الجزار.
كما أنّ ورقة حلب هي أيضاً ليست كما يتوقعها أردوغان، لأنّ السوريين مصمّمون على مواجهة الغزوة التركية الجديدة وعلى الاستمرار في مقاومة الإرهاب، وأيضاً لأنّ هناك لوحة دولية تتشكّل على وقع الحروب المفتوحة.
الإدارة الأميركية وعلى مدى عقدين من الزمن عملت من أجل رسم لوحة عراقية تقوم على أساس «توليفة» أمر واقع كانتونات غير معلنة تحفظ من خلالها مصالحها وتحافظ على نفوذها، وهي أيّ الإدارة الأميركية لن تتخلى عن هذه اللوحة، وهي مضطرة أن تقول «لا» كبيرة بوجه أيّ دور تركي على الساحة العراقية. خصوصاً أنّ هناك التزاماً قطعته الإدارة الأميركية تجاه قيادة إقليم «كردستان»، بتأمين انفصال هذا الإقليم عن العراق، وأنّ كلّ ما تستطيع تقديمه لتركيا هو إقامة علاقات تنسيقية دائمة بين هذا الإقليم وبين تركيا، لطمأنة الجانب التركي وليس لإعطائه دوراً مقرّراً في مصير منطقة تتولاها الإدارة الأميركية بصورة مباشرة.
أما في حلب، فروسيا الاتحادية حاضرة بقوة إلى جانب الجيش السوري وحلفائه، وقالتها روسيا بصراحة ووضوح، إنّ ما تقوم به روسيا في سورية، يماثل ما تقوم به أميركا في العراق، وهذا الكلام تفهمه الإدارة الأميركية جيداً في ظلّ احتدام الصراع والذي على ضوء نتائجه ترسم معادلات جديدة، ليس على صعيد المنطقة بل على صعيد الساحة الدولية كلها.
بالأمس اجتمع وزير خارجية روسيا الاتحادية سيرغي لافروف بنظيريه الإيراني والسوري، وصدرت عن اللقاءات مواقف، لكن بمجرد التقاط الصورة الثلاثية في هذا الوقت بالتحديد تكون الرسالة قد وصلت.
رسالة يفهمها الأميركي وقد يفرمل… ويفهمها أردوغان لكنه قد يستمرّ في المغامرة لأنه اسير أضغاث أحلام.
عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي