سقوط الاحتلال العربي للعقل السوري

نضال القادري

لم تكن مغادرة السفير السعودي لدى القاهرة بشكل مباغت على خلفية التوتر بين مصر والسعودية. لقد ظهرت بوادر المغادرة بعد قرار شركة النفط السعودية «أرامكو» وقف إمداد مصر بالمنتجات البتروكيماوية. قد نرجعها بعد البحث في مشروعيتها القانونية في الأعراف الدبلوماسية على أنها ورقة ضغط سياسية سعودية على مصر لوقوفها على الحياد من الحرب السعودية على اليمن، ومن أبجديات التباعد الذي يتشكّل بين نظرة كلّ من البلدين تجاه قضايا أساسية في المنطقة وملفات عالقة، أولها يتجلّى في احترام سيادة الدول المستقلة. إنّ الموقف الرسمي المصري أعطى للدولة السورية الحق في مواجهة العصابات الإرهابية التي تتعرّض لها سورية. وهذا ما لم يرقَ له الموقف السعودي المنحاز للعصابات الإرهابية، بمن فيها التي تصنّفها الولايات المتحدة الأميركية ضمن لوائح الإرهاب، أو القوائم السوداء التي تخضع، من ضمن سياسات مشغليها، لعمليات التجميل بتغيير بعض أسمائها وحقن ما تيسّر من «البوتوكس» الخارجي لتلميعها من أجل بيع نتاجها على أنه «ثورة ضدّ نظام قمعي». لقد جاء التصويت المصري «أممياً» إلى جانب روسيا ضمن رسالة واضحة للعرب أولاً، مفادها أنّ مصر ليست ملحقاً «خليجياً» بعد اليوم. وأنّ مصر ليست تابعاً للدبلوماسية السعودية، ولن تقبل بدور عرضي من ضمن استكمال ديكور المؤامرة التي تقودها السعودية في جامعة الدول العربية، ومجلس الأمن، وأنها على دراية تامة وكاملة بأنّ الذي يحصل في سورية ليس «ربيعاً عربياً» ضدّ النظام. وقد واجهت مصر عصابات الإرهاب ذاتها ولو بـ «ماركات» و «براندات» أجنبية مختلفة. وكلنا بات يعرف ويشهد أنّ «الثورة» المزعومة ليست سوى مفاتيح خارجية يؤتى بها لمزيد من تمزيق وحدة سورية تحت ذرائع واهية لم تعد تؤتي ثمارها إلا في العقل الصحراوي السعودي المتعطش للدماء الإضافية في عالمنا العربي. إنّ الدبلوماسية الفجّة من التعامل اللاأخلاقي مع الدول الكاملة السيادة دقت ساعة مصر السياسية له بأن يتوقف، ولا وقت إضافياً له. أما العرض البديهي «الثلاثي الأبعاد»، وهو الأقوى، إذا ما تحقق فسيغيّر لون الخرائط التي ترسمها بعض دول «الاحتلال العربي» لسورية.

السؤال الآن: ما الذي يعزّز استمرار الدبلوماسية المصرية بالتناسق مع روسيا؟ وبالتالي نستطيع تصنيفه في خانة سورية في المنحى الاستراتيجي. الجواب: هو في التقارب المتصاعد بين روسيا ومصر المتمركز حول ثلاثة أمور أساسية ستظهر في القريب. أولها، الموافقة على إبرام معاهدة استئجار قاعدة عسكرية دائمة وطويلة الأمد بين روسيا ومصر على شاكلة «حميميم». ثانيها، تأمين حاجة مصر من المواد البتروكيماوية من روسيا بعد تراجع السعودية عن إمداد السوق المصرية بحسب الاتفاق الذي عقد سابقاً بينهما. ثالثاً: إعادة النظر بالاتفاقات السياحية على أن تكون شرم الشيخ وجهة الروس بدلاً عن تركيا. وأشياء أخرى تعدّ من التفاصيل ليست آخرها المنطقة الروسية الحرة الخالصة وحرية استعمال قناة السويس. إنّ أحد مفاتيح خروج سورية من عزلتها «العربية»، بعد الاندماج الكلي أو المرحلي في معسكر العراق، إيران، روسيا والصين، قد تجلى في تنامي العلاقة السورية المصرية وخروجها إلى العلن مؤخراً. مصر وسورية قلب وعقل ومحرك هذا العالم العربي الموحش في ثوراته الفاشلة. المفاتيح الأخرى متوفرة في عالم الدبلوماسية والتحشيد الشعبي وتنامي مشروع المقاومة وثباتها في الميدان وبخاصة «نسور الزوبعة» التنظيم الرسمي للحزب السوري القومي الاجتماعي.

لقد تكلل فتح الباب المصري من خلال ثلاث زيارات ناجحة قام بها اللواء علي مملوك. لقد قرأت في الأخيرة منها في السياسة إنجازات للدبلوماسية السورية أكثر مما قد تنجزه الكثير من البنادق والقذائف المسمومة التي تصدّرها إلى موتنا تحت مسمّى «حرية الشعب السوري»، محميات الكاز والغاز والبترول الأسود من الخليج الصحراوي «الشقيق»!

إنّ في موازاة تكسير مفاتيح الحرب المتناقضة التي تكمل منحاها في الميدان يرتفع انتصار الإرادات جلياً، وإنجاز البنادق المقدسة يمحو في كلّ يوم سطراً ملثماً منغمساً في الخيانة حتى النفس الأخير. إنّ فخرنا لكبير في البنادق السورية، تلك التي يرتفع منها الدخان الأبيض في وجه أصحاب الذقون الطويلة والمتطرفين الأجانب، والعرب القادمين لإغراق السوريين في دكاكين المذاهب، ومشاريع «الأسرلة». لقد استفاق السوريون بعد الكثير مما صنعته أداة «الاحتلال العربي» لبلادهم، وبخاصة المزارع الإعلامية التي احتلت عقول الضالين من أبنائه، وزعت يقيناً أنّ الحرب ستطول، وأنها ستكون مدمّرة، وأنّ «الثورة»، وأؤكد لجميع «أبقارها»، أنها لن تخرج لنا من العباءة الوهابية رهبان الحرية! فليأخذ من هذه الحرية الشعب السعودي ما تيسّر، وما ملكت يداه، وإنْ فرحنا لفرحهم لهو كبير كبير. إنّ كلّ ربيع عربي لا يمرّ في فلسطين، هو متأسرل، مستعرب، متهوّد، متصهين، وضال عن أبجدية الفصول، فلا تقربوه أيها السوريون.

على هامش السياسات الفاشلة، إنّ العروبة الفاشلة أيضاً قديمة في تخلفها وتأصّلها. إنها حكاية من حكايات فلسطين المسبية. إنّ ما يملكه قادة «جامعتها» اليوم هو قارورة كاملة مخصبة من «قلة الفهم». تخالهم يمتلكون نصف مخزون العالم من الغباء وحدهم. يخاطبونك بربطة عنق، وقلب ضال، وسكاكين مسنونة. وبأخوتك الميمونة في «جامعتهم» تدرك فجأة أنّ سطوة «الله» عليك كبيرة! يا رفقائي قل اخرجوا بجلودكم من ثقوب القلب إلى ميادين العقل. إنّ العروبة الفاشلة نجحت في فشلها، وانّ علينا فقط وحدنا أن نتوحّد في البلاد السائبة ونحيا قبل أن يجتاحنا موت الوثنية الوهابية. سورية هي فقط سورية ذات وجه سوري قومي أصيل. تحيا سورية بالإصالة والتقدّم. بالانتماء القومي والحرية. ذات مرة قال أنطون سعاده: «إنّ العبد الذليل لا يمكنه أن يمثل أمة حرة، لأنه يُذلّها». أيها السوريون: استفيقوا، ها أنا قد نجوتُ بروحي!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى