اليوم يدخل آخر بنود «الوعد الصادق» حيّز التنفيذ
روزانا رمّال
يتوّج اليوم العماد ميشال عون ملكاً في قلوب محبّيه ويودّعه التيار الوطني الحر موقتاً لينتقل الى بيت الكلّ… بيت اللبنانيين فهو «بَيْ الكلّ»، كما يقول مناصروه…
لكن من جهة أخرى، يدخل اليوم آخر بنود الوعد الصادق حيّز التنفيذ، فالانتصار الرئاسي الذي يحصده فريق حزب الله هو حصيلة سنوات من التراكم، ونتيجة اختبار دقيق من الوطنية، وموقف ثابت عند حدود الوطن والسيادة الحقيقية، فالعماد عون اتخذ موقفاً وطنياً وواجباً وفق منطقه بلحظة تضامنه مع أهل الجنوب وفتحت المناطق المؤيدة له أبوابها للنازحين الجنوبيين في حرب تموز عام 2006، معتبراً أنّ الوقوف إلى جانب المقاومة والوطن في هذه اللحظة أقلّ واجب ممكن، لكن العماد عون لم يكن يدرك أنّ هذا الموقف لن يكون عادياً بالنسبة لأهل المقاومة، ولم يدرك أيضاً أنه وضع الإصبع على الجرح، فأبناء الوطن وصفوا المقاومين بـ «المغامرين»، وآخرون تآمروا لقصف معاقل حزب الله السياسية ومؤسساته الأمنية والتجارية وحتى الصحية.
لم يكن العماد عون في تلك اللحظة على موعد مع حظوظ رئاسية ولم يكن حينها بوارد الاصطفاف من أجل حسابات سياسية، وكان لذلك الموقف ما يكفي بالنسبة لحزب الله لاعتباره اعتماداً دون تسليف أو تكليف.
التضامن مع المقاومة بالنسبة لحزب الله ليس أمراً عادياً لحظة تركها الجميع… التضامن من العائد من فرنسا، حيث نُفِي بعد خلاف كبير مع حلفاء حزب الله في لبنان والجيش السوري حينها ليس عادياً أيضاً. يتحدث بعض المعترضين على وصول عون للرئاسة من مبدأ الحرص على المقاومة مع بعض الاستغراب عن مرشحين رئاسيين مسيحيين غير العماد عون وقفوا مع حزب الله وهم حلفاء قدامى لسورية ويقولون إن «هؤلاء اصحاب مبدأ لا يتغيّرون مع أيّ معطى، فهل ستكون المقاومة بخير بعد أن يتسلّم العماد عون رئاسة الجمهورية؟».
الفارق بالنسبة لحزب الله أكبر من فكرة التأييد، فتأييد اهل البيت تحصيل حاصل، وبعضهم ربما من المستفيدين من مرحلة الوجود السوري في لبنان، وعلى هذا الأساس فتأييدهم للمقاومة بالنسبة لحزب الله تحصيل حاصل، وهو مبدأ لا تراجع عنه. إنما الفارق هنا برز لحظة غابت اي نقطة ارتكاز تاريخية بين حزب الله والتيار الوطني الحر، بل بلحظة كان «التفاهم» بأول اختباراته فكان ممكناً ان يكون الأكثر هشاشة بعدما انقضّ الداخل اللبناني على «مغامرة» حزب الله و«مغامريه» محلياً ودولياً بالأغلبية الساحقة.
حرق العماد ميشال عون أوراقه اقليمياً ودولياً امام لحظة مساندته للمقاومة، وتحمّل على هذا الاساس ما تحمّله اهل الجنوب ومؤيدو حزب الله… تساءل حينها عون عن موقف السعودية تجاهه مستغرباً هذه الحدية منه، فقال: «أنا لا أشكل خطراً على أحد، لماذا هذا الشعور عند السعوديين بالخطر؟».
وقف عون لحظة استشهاد عماد مغنية ليُدين ويقول انّ الذي جرى اعتداء على لبنان وعلى سورية ايضاً وإنّ ما جرى جريمة كبرى، يدرك عون انّ عماد مغنية مهندس حرب تموز ويحمل في ذكراه ما يحمل من وفاء لمرحلة يعرف عون أصولها وعمل مغنية لتثبيتها وتكريس المسيحيين والمسلمين أرضاً وجذوراً في هذا البلد.
كان «للوعد الصادق» السبب المباشر في تمسّك حزب الله بالعماد عون الذي تحمّل ما تحمّل لسنوات بسبب هذا الموقف. كثيرون هم الذين لاموا العماد ميشال عون على وقفته مع حزب الله، ولاحقاً مع سورية، وبينهم مقرّبون وقالوا له «انت تبعد الرئاسة عنك لسنوات ضوئية بهذا المشهد». لم يكن يهتم عون كثيراً لهذا معتبراً أنّ الوقفة وقفة ضمير. وهذا كان وحده كافياً لنسف أفكار كانت تعتبر انّ كلّ ما يهمّ عون هو وصوله الى قصر بعبدا، وهو كان يعرف حينها انّ أقصر الطرق لذلك هو بالوقوف ضدّ المقاومة وحزب الله.
يتوجه العماد ميشال عون الى قصر بعبدا اليوم حاملاً بيديه أهمّ ما يمكن ان يدرس في السنوات المقبلة من «عبر»، فقد أثبت أنّ التمسك بالحق والمواقف لا يعني الهزيمة ولا يعني فقدانه فرصة أن يصبح رئيساً. أثبت العماد ميشال عون ان التمسك بالمبادئ القوية القادرة على حماية أسس وقواعد الوجود اللبناني وتكريس الوحدة الوطنية والوقوف ضدّ ايّ مغامرة إسرائيلية لا يضيّع فرصاً بحجم رئاسة الجمهورية. يثبت العماد عون أنّ الطرق الملتوية لا توصل الى غاية شريفة فلا مساومة على مبدأ ولا بيعة لأبناء الوطن وأهل البلد.
يثبت العماد عون أنّ التحالف بين أحزاب سياسية مبدئية تعتمد على الصدق والصبر وتتمسك بالقيم التي باتت مرفوضة في العالم السياسي هو طريق آخر وممكن في العمل السياسي الذي تشوّه بمفاهيم غذتها أفكار استعمارية سابقة تعتمد على الخديعة والمساومات من اجل الوصول للغايات المنشودة وغذّتها عربياً فكرة الانهزامية امام «إسرائيل» وأمام الفريق الأكثر قدرة على بسط نفوذه بناء على الانصياع للقوة المالية. وهو ما أنتجته العلاقات السياسية بالسلوك العربي والخليجي بالمنطقة فسادت منذ عقود فكرة الخضوع للجوار المحكوم بالفلك «الإسرائيلي».
يكرّس العماد ميشال عون لبنان دولة عربية استثنائية توصل رئيسها دون تنازلات وتحفظ التحالفات القوية.
فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، الوعد الصادق أنجز!