فصل المسارات الرئاسية بين الجمهورية والحكومة
ناصر قنديل
– مع النهاية السعيدة التي يبلغها اليوم الاستحقاق الرئاسي الذي حبس أنفاس اللبنانيين بانتظاره منذ سنتين ونصف السنة، يُنتخب العماد ميشال عون رئيساً بأغلبية الثلثين ويزيد، في الدورة الأولى رئيساً للجمهورية اللبنانية، فتصير معادلة الانتخاب على دورتين التي أراد كثيرون ترويجها، كتعقيد من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لإضعاف وهج وصول عون للرئاسة، بوابة وضع الرئيس بري حكمته لتحويلها إلى مناسبة لوصول مظفّر للعماد عون كرمز لخيار واحد يجمعه مع حزب الله والعماد عون والنائب فرنجية وسائر الحلفاء، فلا قرار النائب فرنجية باعتماد الورقة البيضاء بدلاً من التصويت لاسمه، ولا تصويت نائبي الحزب السوري القومي الاجتماعي والنائب طلال أرسلان والنائب إميل رحمة، وسواهم من أبناء الحلف الواحد للعماد عون، مجرّد مصادفات، تزامنت بلا مناخ التقى عليه الجميع، ومحوره أنّ تظهير النصر بوصول العماد عون، يجب ألا تنغّصه التصرفات الطائشة للرئيس سعد الحريري وفريقه، والتي ربما ورّطت بعضاً من فريق العماد عون، والتي ربما يكون الاستفزاز فيها لحلفاء حزب الله، كما استفزاز حزب الله نفسه بالخطاب السياسي التصعيدي للحريري، مقصودة لتفخيخ المسار الذي أراد الحريري عبره إظهار حزب الله كمعطّل للرئاسة، لا إنجاح وصول العماد عون رئيساً، بصورة تستعيد الطريقة التي قدّم من خلالها ترشيحه للنائب فرنجية، مستفزاً عون وحزب الله، لوأد الترشيح في مهده.
– نجحت بصورة تقارب السحر مساعي ترميم الصدوع التي أصابت الحلف الواحد المحيط بقتال المقاومة في سورية وما تقيمه من معادلات بوجه التكفير والعدوان «الإسرائيلي» لحماية لبنان ونصرة سورية التي تشكل الحليف والظهير والسند لمعسكر يتوسّط عقده حلفاء يتقدّمهم الرئيس بري والنائب فرنجية والنائب أرسلان والقوميون وسواهم من حلفاء ما كان ممكناً تخيّل، نجاح محاولات وضعهم في مواجهة عهد عنوانه العماد عون، حليف سورية والمقاومة، والمرشح الذي تحمّل حزب المقاومة الرئيسي وزعيمه الاتهامات والضغوط، لسنتين ونصف السنة لجعله ممراً إلزامياً لملء الشغور الرئاسي. وهذا ما كان ليتمّ لولا التفاهم السياسي العميق والاستراتيجي بين السيد حسن نصرالله والرئيس بري على قراءة واحدة هادئة وباردة للمشهد الإقليمي والمحلي، وترابطهما، ووضع الاحتمالات التي تُسهم بقراءة الفِخاخ المنصوبة في طريق حلف المقاومة، وتركها عهدة على عاتق الرئيس بري لإدارتها بشجاعته وحكمته، في الفصل المبكر بين بريق العهد المنشود، وبين الحكومة التي يتوقف على حسن أداء رئيسها المفترص موعد تشكيلها، دون منحه فرصة توظيف التعقيدات التي قد يتسبّب بها أداؤه الاستفزازي إلى النيل من قوة اندفاع العهد الجديد، فمَن يواصل خطاب الحرب على حزب الله، لا يستطيع القول للرئيس إنّ حليفك الأبرز، حزب الله يعرقل بواسطة حليفه الأبرز حركة أمل تشكيل الحكومة الأولى في عهدك، بعدما صار ثابتاً للعماد عون أنّ ما فعله الرئيس بري للعهد، من موقع المختلف تكتيكياً، والمعني بحماية الخيارات الاستراتيجية، من ضمانه لتأمين النصاب للدورتين الانتخابيتين، إلى طمأنته للعماد عون حول العلاقة المستقبلية بينهما ونظرته لها، وصولاً لمساعيه في تأمين هبوط سلس للرئاسة في مدرجات مجلس النواب، بات كافياً لدى العماد عون لاعتبار بري شريكاً تعادل مكانته وما قدّمه لإقلاع العهد، الأوصاف التي يطلقها عليه السيد نصرالله، كمؤتمن، وشريك، ورئيس للنظام السياسي، وليس للمناصب الدستورية فيه، التي يدير من موقعه كرئيس لمجلس النواب، معادلات الاحترام والتوازن بينها.
– التصويت بالورقة البيضاء الذي تعاقد عليه بري وفرنجية، ومَن سيشاركهما من الحلفاء كموقف لا كتحدٍّ، كما قال فرنجية، يعني أولاً القول إنّ عون فاز بلا منافس وانسحاباً لفرنجية من الترشيح، ويعني ثانياً أنّ الورقة البيضاء التي تلتقي مع أوراق بيضاء أخرى لا تشبهها في الخلفيات، كأوراق الرئيس فؤاد السنيورة والنائب أحمد فتفت ونواب حزب الكتائب، التي تصوّت ضدّ الحلف المساند للمقاومة عملياً، وليس ضدّ عون كمرشح فقط، تعني بالنسبة للحلفاء الذين كان يعنيهم إيصال رسالة تضامن للنائب فرنجية من موقع الحليف، تحريرهم من هذا الالتزام، ففرنجية المرشح يعنيهم، أما دعوته للتصويت بورقة بيضاء، فهي دعوة لخيار سياسي، يملكون حق التصرف بقبوله أو رفضه، من دون المساس بمكانة فرنجية عندهم، وهذا الذي حرّك بورصة التصويت للعماد عون في الدورة الأولى حتى الفوز بالثلثين مضموناً من الدورة الأولى، كما هي إعلان للنتيجة الانتخابية، بين مرشح واحد ينال شبه إجماع، وتصويت ضدّ الانتخاب باعتبارات متعددة ومختلفة ومتناقضة تكتيكية أو استراتيجية. وهذا يعني عملياً أنّ فرنجية المرشح مشى خطوة كبيرة تمهّد الطريق لتلاقيه مع العماد عون، الذي وضع سحب ترشيح فرنجية، عنواناً لتعاون مقبل بينهما.
– كنا نثق منذ البداية أنه لن يُترك للاعب هاوٍ مثل الرئيس الحريري أن ينجح في رمي الطابات بين أقدام قامات مثل السيد نصرالله والرئيس بري والعماد عون والنائب فرنجية، ومن ثم النجاح في تركهم يتخبّطون بها، وأن تظهر ضحكته المدوّية مع صفقة كفّه على كفّ رئيس حزب القوات سمير جعجع، وهو يقول له «فاتوا ببعض بس تفرّج وتضحك»، ترسم المعادلة السياسية، التي حاولت أن ترسم مثلها بترشيح فرنجية، لكن إبقاء الطابة حارة في الملعب من الرئيس بري، وصدّها عن شباك عون من السيد نصرالله، حال دون اكتمال ضحكة الحريري جعجع منذ عام، وها هو تلقُّف بري للكرة وإبعادها من مرمى السيد نصرالله وابتعاد فرنجية عن ارتكاب الخطأ الذي يضعه خارج الملعب، ينجحان مرة أخرى في إطفاء الضحكة الصفراء التي لم يكن تحرك صاحبها في المرتين بريئاً عن نيات الإفشال بالاستفزاز، وهو يتدرّب على لعبة السنوكر التي يتقنها بري جيداً، حتى لو كان مع الحريري مدرّب مثل الوزير السبهان، الذي غزل خيوط الفتنة في العراق وجاء ينقلها إلى لبنان.
– منذ اليوم سيقف الرئيس الحريري أمام المعادلات الحقيقية للسياسة، حيث لا يصنع التذاكي أدواراً، ولا تحكي البكائيات مصالح، ولا تحقق الرهانات والمراهنات الأرباح، فالوضوح وحده طريق النجاح، وقد تمّ بنجاح فصل المسارات الرئاسية بين الحكومة والجمهورية، فالبلد يحتمل سقوط مئة حكومة، لكنه لا يحتمل سقوط الجمهورية، ويحتمل انتظار ولادة حكومة سنتين ونصف السنة طالما احتمل ولادة رئيس جمهورية سنتين ونصف السنة، إذا كان اختصار الانتظار شرطه شبه رئيس ومثله شبه حكومة، فمثلما انتظرنا رئيساً حقيقياً لسنتين ونصف السنة، ننتظر حكومة حقيقية مثلها، والمعيار واحد: لسان الجمهورية ولسان الحكومة مع المقاومة أم عليها؟