صناعة الفضة في راشيا الوادي ضحية إهمال الدولة والمنافسة الأجنبية

شبلي أبو عاصي

راشيا المتغلغلة في أعماق التاريخ هي جارة حرمون وقاسيون. أتقن أهلها المهن الحرة وحولوها إلى مصنوعات في غاية الروعة والجمال حتى بات القريب والبعيد يتحدث عن هذه الصناعات الراشانية الشهيرة.

من هذه الصناعات صناعة الفضة التي رافقتهم منذ أكثر من ثلاثة قرون وقد كانوا الوحيدين والناشطين فيها.

تعود صناعة الفضة في راشيا إلى القرن السابع عشر وقد انصبّ اهتمام الحرفيين على صناعة الصلبان لكنائس دمشق وحلب والعديد من المناطق اللبنانية، بالإضافة إلى صناعة الحُلى من أساور وعقود وخلاخل وخواتم وأزرار وزينة خيول الأمراء.

وبحسب ما تشير بعض المراجع، تعود انطلاقة هذه الصناعة إلى أيام الشهابيين الذين تفنّنوا في زخرفة القطع الفضيّة وتحويلها إلى تحف فنية.

هذه الصناعة التي نشطت في راشيا يعود الفضل فيها إلى أهالي راشيا، خاصة عائلات شاتيلا والراسي وأيوب الذين تعلموا الحرفة على أيدي معلمين أتراك مهرة فترة احتلالهم لبلادنا وأخذوا يطوّرونها، عاماً بعد عام، وكانوا يسوِّقون إنتاجهم في بيروت والشام وبعض الدول الأوروبية والأرجنتين وكندا وأستراليا.

ويقول صاحب أحد مشاغل الفضة عصام المقت لـ«البناء»: «راشيا تشتهر بهذه الصناعة منذ القدم، وكان فيها أربعون مشغلاً ويعمل فيها حوالى مئة عامل. هذه الصناعة الجميلة لطالما كانت محط أنظار الناس لكنّ ظروف الحياة والوضع الاقتصادي الصعب في لبنان أدى إلى هجرة عدد كبير من أبناء المنطقة ما أدى إلى تراجعها، خاصةً أنّ من بين الذين هاجروا أصحاب المشاغل من آل أيوب وشاتيلا والراسي وعائلات راشانية أخرى وقد توجّه هؤلاء إلى الأرجنتين وأميركا والبرازيل وكندا وأستراليا».

ويضيف المقت: «تمّ تحويل القسم الأكبر من هذه المشاغل إلى مشاغل للذهب فتراجعت صناعة الفضة ويبلغ عدد مشاغلها اليوم أربعة فقط».

وتعود ملكية المشاغل الموجودة حالياً إلى ابراهيم بركات ووسام وهادي اللحام وعصام المقت الذي طالب «بتعزيز بيت المحترف اللبناني التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية والذي كان في سبعينات القرن الماضي يشغِّل أكثر من 180 حرفياً».

ويتابع المقت: «نحن نعاني من المضاربة والمزاحمة من البضائع الأجنبية المستوردة خاصةً من تركيا وسورية وإيران والصين التي سيطرت على السوق المحلية، حتى أنّ زنة المشغولات الفضية التي تُباع من مشاغل راشيا شهرياً تتراوح ما بين السبعين والثمانين كيلو غراماً فقط».

وتتركز الصناعات الفضية في مشاغل راشيا اليوم على الخلاخل والعقود والأساور والمسابح والأقراط والعلّاقات والخواتم، إضافة إلى الشعارات الحزبية والدينية.

وأشار المقت إلى مشاركة مشاغل راشيا في العديد من المعارض في لبنان والخارج حيث «شاركنا في معرض الزبداني في سورية عام 2004 ومعرض في إيطاليا عام 2009، وهذا العام 2016 شاركنا في معرض في ميدان سباق الخيل في بيروت».

وإذ يرى «أنّ ضعف الحركة السياحية في المنطقة كان سبباً رئيسياً لتراجع هذه الصناعة»، يشدّد المقت على «أنّ للمغترب اللبناني أينما وجد وفي شتى أنحاء العالم دوراً أساسياً في تسويق الصناعات اللبنانية الوطنية»،

داعياً إلى «تفعيل دور بيت المحترف اللبناني وإيجاد حلول لحماية صناعتنا من المضاربات الخارجية».

الجدير ذكره أنّ مشاغل صناعة الفضة في راشيا تطورت وتم تحديث معداتها وآلاتها حتى أصبحت منتوجاتها غاية في الدقة والروعة والأناقة والجمال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى