معركتا الموصل والرقة… خبث أميركي جديد

د. خيام الزعبي

أعلنت أميركا قيام القوات العراقية بالتوقف العسكري لمدة يومين عن شنّ هجمات لتثبيت سيطرتها على المناطق التي انتزعتها من تنظيم داعش منذ بدء معركة استعادة الموصل، وقال الكولونيل الأميركي جون دوريان في مؤتمر ببغداد «نعتقد أنّ الأمر سيستغرق قرابة يومين قبل استئناف التقدم نحو الموصل»، موضحا أنّ هذا التوقف من ضمن مخطط التحالف الدولي، كما أوضح أن هذا التوقف شامل ويجري على مختلف المحاور والجبهات، ويقدّر عدد المسلحين الدواعش في مدينة الموصل بين ثلاثة إلى خمسة آلاف مسلح اضافة إلى ألفين آخرين في مناطق حول المدينة، إذاً لا بدّ لنا في هذا المجال أن نتوقف عند الحرب التي تشنّها أميركا وحلفاؤها ضدّ داعش التي يقصفونها يومياً بالصواريخ، لنتساءل عن النتائج التي حققتها تلك العمليات بقيادة أميركا؟

لا يخفى على أحد بأنّ أميركا بدأت تقوم على إعادة اتمامها بمنطقة الشرق الأوسط، فقد أعلنت واشنطن أنّ معركة تحرير مدينة الرقة من تنظيم داعش قد تكون قريبة، وقد تتداخل مع الهجوم الحالي في العراق على مدينة الموصل، من دون أن يكون واضحاً ما هي التداعيات والأبعاد السياسية والعسكرية التي يمكن أن تترتب على فتح هذه المعركة في هذا التوقيت، وخاصة أنّ القوى المتطرفة والجماعات الإرهابية ليست سوى جيش أميركي، كما يأتي هذا الإعلان بالتزامن مع تقرير للاستخبارات الأميركية الغربية بأنّ روسيا قد تسقط مقاتلاتهم في أجواء سورية، الأمر الذي يشير إلى عدم وجود تنسيق روسي أميركي حول معركة الرقة المزعومة، بل على العكس، أكد وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر، أنّ روسيا والجيش السوري لن يشاركا في عملية التحالف بالرقة.

اليوم واشنطن تجمع الأوراق وتستعدّ لتشديد الضغوط على سورية وحلفائها في المنطقة، لذلك جاء إعلان واشنطن الاستعداد لاقتحام مدينة الرقة معقل تنظيم داعش في هذا الوقت، لإرباك سير عملية تحرير الموصل، فمن جهة إنّ تشتيت الإمكانيات بين الموصل والرقة لا يصبّ في مصلحة الجيش العراقي ضدّ التنظيم، ومن جهة أخرى يفتح المجال لمجموعة من المساومات أو المفاوضات السياسية على حساب معركة الموصل، فتحركات داعش بين مدينتي الموصل والرقة مفتوحة على مصراعيها وتتمّ تحت الرعاية الأميركية الغربية، خاصة بعد سعي بعض الدول لتعزيز تواجدها العسكري في العراق وعلى رأسها تركيا التي فتحت حدودها أمام تنظيم داعش لكي تقوم هي وحلفاؤها بإيجاد ذريعة للتدخل في سورية والعراق، وبالتالي يعدّ هذا الإعلان دليلاً واضحاً إلى أنّ أميركا عازمة على تعزيز وجودها العسكري في الرقة مقابل التوسع الروسي في حلب، خاصة أنّ الرقة تشكل الحديقة الخلفية للموصل العراقية، الأمر الذي يعطيها مجالاً للعب دور في الملف السوري كطرف فاعل ومؤثر.

في هذا السياق يمكن القول إنّ المطّلع على مصطلح «تجميد القتال» في المفهوم الدولي، والذي يعني أنه على جميع أطراف النزاع أن توقف إطلاق النار، وأن تحافظ على وضعها الميداني كما هو، يتأكد أنّ هذه المبادرة هي لإنقاذ الجماعات المتطرفة في سورية، خشية من الانسحاب من المناطق التي تسيطر عليها، ولمنع الجيش السوري من أن يستعيد السيطرة عليها.

لا يخفى على كلّ أحد الدور الأميركي في حرب سورية ودعم وتمويل وإسناد وتجهيز المجموعات المسلحة بكلّ الإمكانيات وكذلك توفير الأرضية للاعتراف بهم كقوة فاعلة في الشأن السوري، ولا ننسى أنّ مشروع «الشروق الأوسط الجديد» الذي طرحه البيت الأبيض والذي يقوم على أساس إعادة ترسيم الحدود لدول المنطقة من جهة ومن جهة أخرى استبدال الرؤساء العرب بآخرين جدد بحسب مصالحها ومتطلبات المرحلة الجديدة، فأدخلت داعش وأخواتها وبعض الدول العربية كمنفذين لهذا المشروع، وبدرجة عالية من الغباء توهموا بأن سير الأحداث التي رسمتها أميركا يجري وفق مصالحهم وأهدافهم، فقد وجّه الرئيس الروسي بوتين، رسالة واضحة إلى الغرب وحلفائه بأنه لن يتخلى عن سورية، مؤكداً أنّ موسكو ستواصل دعم السوريين لتحقيق السلام، محمّلاً الدول الغربية مسؤولية تواصل الحرب عبر الرهان على تنظيم داعش، ومن هنا تأتي زيارة المعلم اليوم إلى روسيا لتكمل سلسلة من التحركات التي كانت موسكو مركزاً لها.

مجملاً… إنّ ما تمرّ به سورية حالياً هي فترة قاسية وصعبة ولكن موقتة في تاريخ هذا البلد العزيز على قلب كلّ سوري وأنّ هذا النفق المظلم سينتهي قريباً جداً بالكثير من النور الذي سيضيء مستقبل شعبها نصراً وفخراً واستقراراً، وأنّ الرهان يبقى على قدرة الجيش السوري ميدانياً على تقويض أيّ أمل لدى الغرب وحلفائه بأنّ الدولة السورية يمكن إسقاطها عسكرياً من الداخل، وعلى قدرة روسيا وإيران على الوصول لتفاهمات مع الدول الفاعلة في هذه الأزمة المعقدة.

khaym1979 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى