بداية العهد بين «هزّ العصا» أو «الابتزاز»؟
روزانا رمّال
كان كلّ شيء يمرّ بهدوء وسلاسة مع تقدّم لحظات النهار الموعود… القصر يتحضّر لاستقبال سيده منذ الصباح، الطرقات تحضّرت أيضاً وتزيّنت، فالرئيس هو ميشال عون… هذا ما لم يكن فيه أدنى شك.
كلّ العيون كانت تركّز على مشهد تنصيب عون رئيساً للجمهورية وعلى إلقائه القَسَم وتسجيل اللحظة وأرشفتها بين ما تدّخره وسائل الإعلام وصفحات الجرائد من لحظات تاريخية كهذه… كلّ شيء في قصر بعبدا كان يدلّ انّ الجلسة في ساحة النجمة لن تكون سوى تتويج للرئيس ومن الدورة الأولى او بأسلس ما يكون بالحدّ الادنى.
تتوقف الضحكات والتعليقات بعد الدورة الأولى فجأة في قاعة الإعلاميين في قصر بعبدا.. ماذا يجري في ساحة النجمة؟ دورة ثانية وخطأ ثانٍ وثالث…
حصل ما لم يكن متوقعاً، هناك مَن يريد العبث بالعهد الجديد، هناك ايضاً من يريد إرسال رسائل..
يمسك الرئيس نبيه بري بلعبة التصويت في مجلس النواب ويعرف مداخل ومخارج «المآزق» تماماً كما يعرف مداخل ومخارج القاعات. أحدهم وضع ظرفاً «زائداً» ما يعني إلغاء الدورة.. عادت الأعصاب للتشنّج هل هناك من يريد تطيير النصاب، وهل.. حسب تداعياتها؟
بدا جلياً انّ من تحلّى بشجاعة القيام بهذا مدرك أنه غير قادر على إيقاف «القدَر» ومدرك ايضاً انّ اسوأ احتمالات الجلسة هو التوجّه نحو إلغائها دون إلغاء ترشيح عون. فهل هذا يعني انّ احدهم أراد اللعب على المكشوف؟
حاول رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل الإيحاء بان الخطأ هو خطأ المجلس النيابي، وأنّ توزيع المغلفات بواحد اضافي ليس إلا أحد أخطاء القيّمين على توزيع المغلفات، أي «موظفي المجلس»، واذا كان الجميّل يقصد أنّ بري وراء هذه «السقطة» فإنّ الجواب الأهمّ أتى في ما علمته «البناء» صباح الجلسة من مصادر مقرّبة من أحد زعماء محاور الشمال «إنّ هناك مفاجأة ينتظرها اللبنانيون في جلسة الانتخاب اليوم رابطة المعلومة بما سوّق لأسبوع ماضٍ من أنّ الجلسة لن تمرّ بسلاسة على العماد عون وتوقّعوا المفاجآت أيضاً… أي ان هناك من كان بالأجواء..
أنقذ بري الموقف…
إعلان الوزير فرنجية انسحابه لصالح الورقة البيضاء جعل فكرة التواطؤ على تطيير النصاب أو فشل نجاح رؤساء كتل مثل تيار المستقبل بإقناع كافة أعضائها بثقلها الوازن بالتصويت لتحضر إمكانية حدوث ما لم يكن بالحسبان احتمالاً ضئيلاً، ليحمل ما جرى ابعد من مسألة اعتراض بعدما حمل في طياته استعداداً لتعريض البلاد لمخاطر متعدّدة الاحتمالات رأى فيها مراقبون ممّن تابعوا عملية التصويت من بعبدا خطوة قريبة لاشتباك داخلي ما يعني نسف الحالة التوافقية التي سادت لشهر تقريباً انقلبت فيها الموازين المحلية بشكل جذري.
مصدر من كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري يقول «انّ ما جرى غير مبرّر، وإننا شعرنا بالخجل خلال الجلسة، إنه أمر مستهجن ومستغرَب فلبنان كله ومعه العالم كان يشاهد على شاشات التلفزة ما الذي قدّمه النواب لهم في لحظة مصيرية نعيشها ضمن قاعة المجلس لانتخاب الرئيس.
أثبتت جلسة أمس، أنّ انعدام المسؤولية السياسية موجود بشكل يجعل القلق على مستقبل عهد الرئيس ميشال عون مشروعاً. فهذا العهد مقبل على تناقضات كبيرة أكدتها لحظة العبور الحسّاسة الى بعبدا، لكن من جهة أخرى يلفت تماسك الكتل وزعمائها وعدم خروج عدد من النواب كردّ فعل أولي على «المهزلة» التي جرت، وإذا كان قد حضر في الجلسة هناك من مؤشر إيجابي، فهو هذا الإصرار على عدم تطيير النصاب.
نهار طويل، اختتم و»نام» العماد عون ليلته الأولى في قصر بعبدا، وإذا كان هناك من «هز العصا» في بداية العهد، فإنّ الرسائل تبقى مفتوحة من وإلى بعبدا في الأيام المقبلة بعد أن قرر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة العتيدة يومَيْ الأربعاء والخميس المقبلين، وهكذا تبدأ عجلة الكشف عن مصير الحكومة ورئيسها بالانطلاق وهو «الجهاد الأكبر» الذي تحدث عنه الرئيس بري من جنيف.
وإذا كان هناك من أراد تحميل رئيس مجلس النواب المسؤولية نهاية هذا الاستحقاق، فإنّ الرسائل المضاعفة التي أرسلها بري خلال سيطرته على الجلسة وعدم السماح للأمور بالتفلت تؤكد على رغبته بعدم تضييع فرصة ذهبية من هذا النوع على لبنان وعلى رغبة بالدخول بمندرجات المرحلة المقبلة بقناعة والتفاعل مع التحوّلات اللبنانية والإقليمية من دون تعريض مصير العماد عون للخطر.
هزّت المعارضة أو الفئة غير الراضية على انتخاب عون رئيساً للجمهورية عصاها بالمجلس النيابي، وأفرغت كمية كافية من الاعتراض على عهد عون، مؤكدة أنّ هناك من هو مستعدّ للذهاب الى الاحتمالات كافة من دون أدنى شعور بالمسؤولية. وهو الاستحقاق الذي ينتظر العماد عون بحيث يستطيع المحافظة على الإجماع الذي حصدته الموافقة على ترشيحه محلياً ودولياً من دون أن تشكل هذه الفئة ابتزازاً للعهد الجديد.
صفحة جديدة وأمل جديد. هذا ما تقوله مصادر التيار المهنّئة في قصر بعبدا لـ «البناء» عن المرحلة المقبلة، فالجنرال عون سيفتتح هذه الصفحة قريباً في كلّ لبنان في مرحلة يبدو التوافق فيها أبرز مؤشرات آليات العمل في العهد الجديد.