عهدٌ جديدٌ… تُدشّنه اتصالات ثلاثة
هتاف دهام
انتهى زمن الوصاية السعودية القائم على الاستئثار وولّى. اندثر السيفان السعوديان. بدأ حكم التوازن الوطني الذي لا يستبعد أحداً. قبول الفريق الوطني بشراكة تيار المستقبل ليس بضغط أو بترغيب، إنما بقناعة أنّ البلد لا يُحكم الا بالشراكة الحقيقية والتمثيل العادل.
لا وصاية جديدة بديلة. محور المقاومة دمشق، طهران انتصر بانتصار مكوّنه اللبناني حزب الله وحلفائه . كان الرئيسان السوري بشار الأسد والإيراني حسن روحاني يصرّان دوماً عند مفاتحتهما بملفّ الرئاسة من مبعوثين محليين لبنانيين ودوليين، بضرورة مراجعة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بالأمر. السيد هو الأدرى بالخيار الرئاسي الوطني الأنسب للبنان.
جلس فخامة الرئيس العماد ميشال عون على كرسي الجمهورية في قصر بعبدا بُعيْد الخامسة عصر الاثنين. تلقى اتصال تهنئة من سيد المقاومة بعد 17 دقيقة «مباركاً انتخابه رئيساً ومتمنياً له طول العمر والتوفيق في مسؤولياته الوطنية الجديدة».
وبعد ساعتين ونصف الساعة تلقى اتصالاً من الرئيس الإيراني حسن روحاني اعتبر انتخابه تجسيداً للاستقرار وانتصاراً للديمقراطية، وأنّ إيران على يقين من أنه سيسهم في تعزيز محور المقاومة بمواجهة مخاطر التيارات التكفيرية والجماعات الإرهابية وأطماع الكيان الصهيوني.
وبعد ثلاث ساعات ونصف الساعة تلقى العماد عون اتصالاً من الرئيس الأسد.
المعروف عند الإيرانيين أنّ خطوات الشكل توازي أهميتها خطوات المضمون. إذ يهتمّ المعنيون بالرمزيات والتشفير في إيصال الرسائل، بما هي تعبير عن لحظة انتصار.
أما الموقف السوري فلم يكن يوماً ضدّ عودة العماد عون الى «قصر الشعب»، كما روّج له بعض «الصغار» في بيروت أو ممّن يصفون أنفسهم الناطقين باسم سورية، وفق ما يؤكد قطب سياسي بارز لـ «البناء». لكن دمشق تفاءلت بالحدث التاريخي واطمأنّت لمستقبل العلاقة السورية اللبنانية، كما أكد حلفاء سورية الموثوقون دائماً.
شكّل انتخاب الجنرال رئيساً انتصاراً أول للبنان وثانياً لخيار قافلة وجهة الأحداث في المرحلة المقبلة، لأنّ لبنان هو بلد التظهير بالمنطقة في ظلّ موازين القوى راهناً.
أكملت الاتصالات الثلاثة رسم المشهد بعمقه الشكلي والاستراتيجي. انتصر محور المقاومة بميشال عون رئيساً للجمهورية في لبنان. كُسر الفيتو السعودي الذي أعلنه صراحة وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل قبل وفاته: «عون يستحيل أن يكون رئيساً». وسار على هذا القرار من تولّى زمام الحكم والمسؤوليات لفترة طويلة سرعان ما تراخى.
وعليه فإنّ مشهدية الدول الأوروبية هي الالتحاق بتأييد الجنرال عون مرغمة، لا حول لها ولا قوة. جاءت متأخرة. تماماً كما تصرفت السعودية. مَن يهنّئ الجنرال اليوم من هذه التركيبة الممانعة خياره، كان يجهد خلال الفراغ، كلّ من موقعه، بمنع أو تأخير انتقال عون من الرابية الى بعبدا. مارست سياسة تحديد الخسائر بالتحاق الحريري بترشيح عون لرئاسة الجمهورية. سكتت ثم بدأت بالتعبير عن مواقفها الخجولة المرحّبة عبر سفاراتها أو وزراء خارجيتها أو الناطقين باسمها.
لكن الأكيد أنّ هذه الدول، حينما تفشل في منع تحقيق هدف بهذه الأهمية والمحورية، تنتقل إلى محاولة استيعابه والإحاطة به، بعد أن عجزت عملياً عن منع وصوله. ربما تلجأ وفق القطب السياسي، إلى الإحاطة المركبة. إحاطة تتضافر فيها قوى خارجية وداخلية لتطويق الرئيس. فهذه دول لا تستسلم بسهولة، رغم أنها تكيّف نفسها مع الوقائع، خاصة أنّ الرئيس سعد الحريري هو رئيس الحكومة العتيد.
يتطلّع القطب نفسه، إلى ما نحن عليه منذ تاريخ 31 تشرين الأول، وما سنكون أمامه حاضراً ومستقبلاً مع العهد العوني الجديد. عهد بدأه الجنرال بالجِدية. لم يتلهَّ بشكليات التهاني. عهد يعوّل عليه حزب الله أولاً وجمهوره ثانياً. جمهور خاطبه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أول أمس بقوله «السيد حسن نصرالله أنت شريك النصر، لم نشكّك يوماً بصدقك، وموقفك معنا ليس موقف وفاء، بل هو موقف صدق. ليتعلّم جميع اللبنانيين أنه ما زال هناك أخلاق في السياسة».
إنّ أحد أهمّ أسباب إصرار الضاحية الجنوبية على انتخاب ابن حارة حريك بشريحته المسيحية الأوسع تمثيلاً، وتشكيل الرافعة «الشيعية» له، هو تأكيد أنّ هذا المحور من العام 2007 الى العام 2016 ناضل، ضحّى، قاتل، قدّم شهداء، انتصر وينتصر وبالتالي مجيء عون يمثل أهمّ مشاهد النصر حتى لمن يرغب بتجميل الكلام، فنظرية رئيس اللغة الخشبية ذهبت إلى غير رجعة.
يعود القطب السياسي البارز، إلى ما ورد في صحيفة العدو «إسرائيل اليوم»، أنّ انتخاب عون، يعني أنّ الأمين العام لحزب الله هو الفائز الأكبر، وأنّ انتخاب الرئيس، وحتى تعيين رئيس الحكومة، لا ينطويان على أيّ أهمية، بل الأهمّ هو أنّ حليف السعودية الحريري أحنى رأسه ووافق على إملاءات السيد نصرالله.
ونشرت «يديعوت أحرونوت» تحليلاً يقول إنّ انتخاب عون سيسبّب وجعاً في الرأس لـ«إسرائيل»، إذ إنّ وصول الجنرال إلى الرئاسة سيعطيه صلاحية تشكيل الوزارة وتحديد السياسة الخارجية للبلاد وسيعزز ذلك موقع إيران في لبنان، ولن يكلّف أحد نفسه عناء الطلب من حزب الله نزع سلاحه وتسليمه إلى الدولة، كما أنّ السعودية ستكون غاضبة، بينما «إسرائيل» سترفع درجات حذرها تجاه لبنان.
بغضّ النظر عما نشره إعلام العدو، لكنه إعلام يقارب الحقيقة… ويشهد الأعداء من فمهم لانتصار خط المقاومة بالعماد عون في لبنان، وربما هذا الانتصار فأل خير لتحرير ما تبقى من أرض لبنان كما شهدنا العام 2000.