مختصر مفيد الرئاسة اللبنانية حدث إقليميّ دولي بامتياز
تُظهر التسوية الرئاسية التي شهدها لبنان ميلاً دولياً وإقليمياً لعدم الظهور علناً في الإخراج الختامي للتسويات المتفرعة عن التفاهمات التي تجريها الدول الكبرى، كخطوط عريضة تعبر عن التوازنات التي رست عليها الصراعات المتفجرة بصيغة حروب مفتوحة أحياناً أو أزمات مفتوحة أحياناً أخرى، كما هو حال لبنان، ووفقاً للتوازنات التي فرضت حضورها في التسوية الأولى التي ترجمت عهد التسويات، وهي التفاهم على الملف النووي الإيراني، يبدو التسليم الأميركي بمكانة روسيا الصاعدة دولياً ومكانة إيران الصاعدة إقليمياً بقدر ما يبدو أن الأميركيين لا يفعلون شيئاً لدفع حلفائهم الكبار والصغار للقبول بهذا التسليم، بل يكتفون برسم أطر العلاقات الجديدة مع موسكو وطهران والامتناع عن التورط في أي عمل عسكري مباشر يشكل وحده فرصة نسف التفاهمات والتوازنات معاً، وتتكفل ثنائية التفاهم الغامض وعدم التدخل برسم توازنات مباشرة في ملفات النزاع تنضج الحلفاء الكبار والصغار للبحث عن تسوياتهم المحلية والإقليمية.
واضح أن الأميركي لا يفعل شيئاً لترجمة التفاهم الذي تمّ مع روسيا حول سورية في جنيف لا يفعل ما يدفع التفاهم نحو التنفيذ، لكنه لا يفعل أيضاً ما يريده الحلفاء منه لفرض توازنات جديدة تتيح تفاهماً مختلفاً فتكون النتيجة الطبيعية تدهور الأوضاع الميدانية وتصاعد التوتر وبلوغ المخاطر درجات عالية ينتظر الأميركي نضج حلفائه عبرها لاستدعائه وإبلاغه قبولهم بصيغ التسويات المؤلمة. وهذا ما حدث مع السعوديين عندما طلبوا حضور وزير الخارجية الأميركية وعرض مبادرته للحل السياسي في اليمن. وهي مبادرة تقوم على تشكيل حكومة موحّدة تعطلت مسيرة التفاوض بسبب رفض السعوديين لها، وفي لبنان كان كافياً ترك المشهد الإقليمي الراجح لحساب محور المقاومة وامتناع واشنطن عن الدعوة للصمود وتقديم البدائل حتى ينضج ممثلو الخيار السعودي في لبنان لحل سياسي للرئاسة، طالما رفضوه من قبل، وعنوانه القبول بالرئيس العماد ميشال عون.
عندما جاءت الأساطيل الأميركية إلى المتوسط كان الفريق المتخندق مع واشنطن والرياض وأنقرة في لبنان قد مدد لمجلس النواب تفادياً لانتخاب رئيس جديد. وقد كانت حساباته تدخلاً عسكرياً أميركياً يغير معادلات سورية ويسمح بالتمديد للرئيس ميشال سليمان. وعندما فشل الرهان رشح الفريق ذاته رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع كمرشح ربط نزاع يمنع وصول مرشح المقاومة العماد ميشال عون، ويمكن سحبه عندما يتم التفاهم على مرشح ثالث يضع المرشحين جانباً انطلاقا من إدراك أن فرصة تحقيق نصر للمشروع الأميركي وحلفائه قد انطوت. ولما تم توقيع التفاهم على الملف النووي الإيراني وتمّ التموضع الروسي العسكري في سورية وبدأت عاصفة السوخوي بادر الفريق المحلي المرتبط بالمرجعية الأميركية السعودية إلى إعلان تبنيه لترشيح أحد حلفاء سورية والمقاومة واعتباره فرصة لتسوية مقبولة إلا أن المقاومة كانت تدرك إلى أين تسير الموازين وتثق أن بمستطاعها الصمود على دعم مرشحها لبلوغ نصر نظيف.
مع إنجاز التفاهم الروسي الأميركي، رغم عدم ظهور مفاعليه السورية إلى النور كمشاريع تسوية تنقل الفصائل التي تسميها واشنطن بالمعتدلة من حضن جبهة النصرة إلى المسار السياسي وتنطلق معها الحرب على النصرة بتعاون أميركي روسي. وعندما ترتّب على معاندة الجماعات المسلحة ومعها السعودية وتركيا لمفاعيل التفاهم وبدأت معارك حلب وظهرت نتائجها توجّه الفريق اللبناني لقيادته في السعودية وواشنطن سائلاً عما يمكن فعله فقيل له لا شيء، وما ترونه مناسباً لحفظ أوضاعكم اذهبوا لفعله ولا تتردّدوا. فلم يجد هذا الفريق كما قال علناً خياراً آخر غير الإستسلام وفقاً للشروط المشرفة التي يحفظها القبول بالحصول على رئاسة الحكومة مقابل السير بمرشح المقاومة.
التغني برئيس صناعة لبنانية كان ممكناً لو قبل الفريق المناوئ للمقاومة بالعماد عون في موعد الانتخابات للجلسة الأولى طالما أن شيئاً لم يتغير في مواصفات ومواقف وثوابت الرجل الذي وضعوا فيتو على وصوله للرئاسة، بسبب تحالفه مع المقاومة، أما المجيء بعد سنتين ونصف لقبول ما كان ممكناً قبوله قبل سنتين ونصف، فلا تفسير له بالبحث عن حلول والحلول واضحة وبين اليدين، بل بالقول إن المتغيرات التي سارت عكس ما كان يتمناه خصوم المقاومة ومرشحها وفرضت عليهم كجزء من محور يُهزم أن يعلنوا قبولهم بالهزيمة، ولو بخطاب مليء بالحديث عن التضحيات لأجل الوطن.
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.